هل يجتمع التفكر مع العبادات الأخرى؟
بقيت لدينا بعض التفاصيل عن التفكير، كعبادةٍ مأمورٍ بها ف الشريعة، يحسن بنا التعرض لها بعد أن اتضح لنا أصل رجحانه.
فمن تلك التفاصيل: أنَّ عبادة التفكير هل يمكن أن تجتمع م العبادات الأخرى أم لا.
وهنا يمكن أن نلتفت إلى أنَّ العبادات الأخرى على ثلاثة أقسام، من حيث الجانب الرئيسي فيها: بدنيةٌ وفكريةٌ، وقسمٌ ثالثٌ يحتاج إلى الجسم والفكر معاً.
فالعبادة البدنية ما لا دخل للفكر فيها، إلا بشكلٍ ثانويٍّ كالسع والطواف والمبيت في منى، وكذلك الصوم ودفع الزكاة وغيرها.
والعبادة الفكرية ما يكون جانبها الرئيسيُّ هو الفكر، كقراء القرآن والأدعية. إذ المفروض أن يكون القارئ فاهماً لها قاصدا لمعانيها.
والعبادة المركبة من الفكر والجسد هي الصلاة، حيث يوجد مضافاً إلى الحركات الجسدية في القيام والركوع والسجود، يوجد جانبٌ فكريٌّ مهمٌّ في النية أولاً، والعلم بقراءة القرآن ومعانيه في قراءة الفاتحة والسورة، وكذلك سائر أذكار الصلاة كالتشهد والتسليم وذكر الركوع والسجود، مضافاً إلى جانب الخشوع ونحوه، مما يكون جانبه الفكريُّ أو الذهنيُّ عالياً.
إذا عرفنا هذه الأقسام الثلاثة، فمن الواضح أنَّ التفكر في الخل لا ينافي الجانب الجسديَّ من العبادة. فإذا كانت عبادة جسدية خالصة لم يتنافَ معها بالمرة، وكذلك مع الجانب الجسديِّ في العبادة المركبة بين الجسد والروح.
وإنما يوجد التنافي في الفكر، لأنه فكرٌ واحد. فإما أن يفكر ف الخلق، وإما أن يفكر في عبادته، وأياً منهما يختار؟.
إذا عرفنا ذلك، استطعنا أن نلتفت أنه سؤالٌ وهميٌّ لا أكثر، وذل لعدم التنافي بين التفكير في الخلق والتفكير في العبادة.
أما عند قراءة القرآن الكريم والأدعية، فإنَّ المطلوب هو التفكير في معانيها، ومعلومٌ أنَّ معانيها من جملة أجزاء الكون، أو أنه تجيل الذهن في أنحاء مختلفةٍ من الكون. إذن، فالتفكير فيها تفكيرٌ في الكون أو الخلق نفسه.
ونفس الكلام يأتي في القرآن المقروء في الصلاة أو الذكر الذي فيها.
مضافاً إلى نقطةٍ أخرى مهمةٍ وهي: أنَّ أساليب عليا من التفكير مما ذكرناه سابقاً، يمكن أن يديم الخشوع ويزيد من الخضوع والتبتل في الصلاة، لا أنه يكون سبباً لنقصانه كما يدعي السائل، وهذا يخت لف باختلاف مدركات المصلي، وما وصل إليه من درجات الإيمان.
بل الأمر أكثر من ذلك، فلو كان الفرد يقرأ في كتابٍ من العلو الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والفلك، أمكنه أن يجعل ذلك سببا وسلَّماً إلى التفكير في الخلق، لأنَّ كلَّ هذه العلوم إنما تعك قدرة الله سبحانه في الكون وعجيب تدبيره له. وكذلك لو قرأ كتابا في علم النفس والباراسايكولوجي، بل في كلِّ العلوم، مع شيءٍ من الدقة في الفهم.
وإنما ينافي التفكير في الخلق أمرٌ رئيسيٌّ واحد، هو معنى التفكير المنفصل عن الله سبحانه وصنعه، أو التفكير الذي أهمل الله سبحانه وشريعته وخلقه. كالتفكير في سائر الأمور الدنيوية والعلوم ذات الطابع المادي. وكذلك الأمور المحرمة شرعاً، كشرب الخمر والزنا والسرقة وسماع الأغاني الجنسية، وغير ذلك
https://telegram.me/mannhaj