دخل أبو الطيب على كافور فابتسم إليه الأسود ونهض فلبس نعلاً فرأى أبو الطيب شقوقاً برجليه وقبحهما فقال هذه القصيدة.
أُريكَ الرِضا لَو أَخفَتِ النَفسُ خافِيا " وَما أَنا عَن نَفسي وَلا عَنكَ راضِيا
أَمَينًا وَإِخلافًا وَغَدرًا وَخِسَّةً "" وَجُبنًا أَشَخصًا لُحتَ لي أَم مَخازِيا
تَظُنُّ ابتِساماتي رَجاءً وَغِبطَةً "" وَما أَنا إِلّا ضاحِكٌ مِن رَجائِيا
وَتُعجِبُني رِجلاكَ في النَعلِ إِنَّني "" رَأَيتُكَ ذا نَعلٍ إِذا كُنتَ حافِيا
وَإِنَّكَ لا تَدري أَلَونُكَ أَسوَدٌ " مِنَ الجَهلِ أَم قَد صارَ أَبيَضَ صافِيا
وَيُذكِرُني تَخيِيطُ كَعبِكَ شَقَّهُ "" وَمَشيَكَ في ثَوبٍ مِنَ الزَيتِ عارِيا
وَلَولا فُضولُ الناسِ جِئتُكَ مادِحًا "" بِما كُنتُ في سِرّي بِهِ لَكَ هاجِيا
فَأَصبَحتَ مَسرورًا بِما أَنا مُنشِدٌ "" وَإِن كانَ بِالإِنشادِ هَجوُكَ غالِيا
فَإِن كُنتَ لا خَيرًا أَفَدتَ فَإِنَّني " أَفَدتُ بِلَحظي مِشفَرَيكَ المَلاهِيا
وَمِثلُكَ يُؤتى مِن بِلادٍ بَعيدَةٍ " لِيُضحِكَ رَبّاتِ الحِدادِ البَواكِيا
--------------------------------------------------
و استقر في عزم أن يغادر بعد أن لم ينل مطلبه، فغادرها في يوم عيد، و قال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور و حاشيته، و التي كان مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيداً دونها بيد
لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها وجناء حرف ولا جرداء قيدود
وكان أطيب من سيفي معانقة أشباه رونقه الغيد الأماليد
لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي شيئاً تتيمه عين ولا جيد
يا ساقيي أخمر في كؤوسكما أم في كؤوسكما هم وتسهيد
أصخرة أنا ما لي لا تحركني هذي المدام ولا هذي الأغاريد
إذا أردت كميت اللون صافية وجدتها وحبيب النفس مفقود
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه أني بما أنا شاك منه محسود
أمسيت أروح مثر خازنا ويداً أنا الغني وأموالي المواعيد
إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدود
جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجود
ما يقبض الموت نفساً من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عود
أكلما اغتال عبد السوء سيده أو خانه فله في مصر تمهيد
صار الخصي إمام الآبقين بها فالحر مستعبد والعبد معبود
نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقيد
العبد ليس لحر صالح بأخٍ لو أنه في ثياب الحر مولود
لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن يسيء بي فيه عبد وهو محمود
ولا توهمت أن الناس قد فقدوا وأن مثل أبي البيضاء موجود
وأن ذا الأسود المثقوب مشفره تطيعه ذي العضاريط الرعاديد
جوعان يأكل من زادي ويمسكني لكي يقال عظيم القدر مقصود
ويلمها خطة ويلم قابلها لمثلها خلق المهرية القود
وعندها لذ طعم الموت شاربه إن المنية عند الذل قنديد
من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه الصيد
أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردود
أولى اللئام كويفير بمعذرة في كل لؤم وبعض العذر تفنيد
وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الخصية السود
---------------------------------
قصيدة جدا جدا اعجبتني