لقد اعتنى الصَّحبُ الكرامُ رضي الله عنهم بالقرآنِ العظيمِ عِنَايةً عظيمةً فائقةً، إذ همُ الجيلُ الأَوَّلُ والطبقةُ الأولى التي نَقَلتْ لنَا كِتابَ اللهِ سبحَانهُ وتعالى؛ لأنهم أدركوا نعمةَ هذا الكتاب، وأحبُّوهُ من كلِّ قلُوبهم، ومَلَكتْ محبَّتهُ عليهم مشَاعرهم، واشتُهِرَ منهم جمَاعةٌ بالقراءةِ كعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم.

وكان بعضهم يحتطبونَ بالنهار، ويتدارسونَ القرآن الكريم بالليل، فسُمُّوا بِالقُرَّاءِ.

وكان الصحابة رضي الله عنهم يجمعون بينَ حفظ القرآن وفهمهِ والعملِ به، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((كان الرجلُ منَّا إذا تَعَلَّمَ عشر آيات لم يتجاوزهنّ حتى يعرفَ معانيهن، والعمل بهنّ)) ، فكانوا إذا تعلموا – عشر آيات لا يجاوزونها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل .

وهذا منهجٌ سلكُوهُ في أخذ القرآن، فلذلك كان كثيرٌ منهم يبقُون مدَّةً طويلةً في حفظ القرآن الكريم، لا يحفظونهُ في فترةٍ قصيرة، فلذلكَ جاء أنَّ ابن عمر رضي الله عنه مكثَ في حفظ سورة البقرة ثمان سنين.

ومن مظاهر عنايتهم رضي الله عنهم بالقرآن أنهم كانوا ربما يتناوبون في تعلمه، بمعنى: أنهم لم يكونوا جميعًا حضورًا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فينزل عمر يومًا، فيتعلم ما نزل من الوحي وغيره، وينزل الأنصاريُّ فيتعلم ما نزل من الوحي وغيره، ثمَّ إذا رجعا يعلم كلُّ منهم الآخر.

كذلك من عنايتهم به رضي الله عنهم أنهم كانوا يتعلمون الوقف والبدء، كيف يقفون على بعض الألفاظ القرآنية، وكيف يبدؤون بها.

وكذلك اعتنوا بألفاظِهِ عنايةً فائقة، وكانت هذه العنايةُ ممهِّدة ومقدمة لنقل علومِ القراءات جميعًا، وعلمُ التجويدِ مضمَّن في نقلِ القراءاتِ، فالتجويدُ عبارةٌ عن بنيةٍ تحتيةٍ أو قاعدةٍ أساسيةٍ لعلمِ القراءاتِ، فتعلَّموا مبادئ التلاوةِ إضافةً إلى سليقتهم العربية، يعني: هنالكَ أمورٌ في التلاوةِ يُحكمُها العربي بطبعهِ، لكن هناك بعض المسائل لا تُحكمُ إلا بالتلقي والمشافهة، فلذلك هم أيضًا أحكموا هذه الكيفيات، وهذه الأنواع، وهذه المقادير، فنقلوها بأمانة وصدق إلى الأجيال التي تليهم.