الثقافة وشراء الذمم
هل تكون الثقافة بعد ذلك متهمة بتكريس الانقسام الايديولوجي ويشار لها كلها بالتواطؤ مع الدكتاتورية؟
يعتقد البعض بأن الثقافة، وصمت المثقفين وهرب الآخر، أسهم بشكل فاعل في خلق الدكتاتور، وما تسمى بقادسية صدام وأم المعارك شواهد صارخة على إدانة المثقف الذي ظل يزين المأساة، ويلمع صورة الدكتاتور على حساب أشلاء الضحايا التي كانت قرابين من الذبح الذي قدمته الثقافة في قطاع كبير منها على أنه شهادة ونصر، يبتنى على ذل وخوف العراقيين والعراقيات البسطاء، كما تبرع- في الأمس واليوم- بعض المثقفين بالدم العراقي بحجة الدفاع عن البوابة الشرقية أو جهاد الأمريكان، هذه الجريمة لم تكن مقصورة على المثقف العراقي بل تتعداها إلى المثقف العربي الذي لا يعذر، إذا كان المثقف العراقي يدعي الخوف من السلطان أو الحاجة للمال، فالمثقف العربي ليس من حقه أن يبخس العراقيين حقهم بالحياة ليكرس الحاجة لان تموت الضحية العراقية لتنهض عنقاء الدكتاتور.
لقد ظلت أموال الشعب العراقي لقمة سائغة للذمم التي اشترتها الدكتاتورية من صحفيين وكتاب عرب وأجانب، وهذا الاتهام صحيح في أحد وجوهه لكنه تجني عندما ينسى أن وجود صدام واستمراره كان مرتبطا بعوامل مختلفة لا تقف عند المثقف وحده وإنما يمتد إلى جملة أمور لعل من أهمها:
1- السبعينات التي يذكرها الكثير من العراقيين على أنها سنوات خير ورخاء مالي مرتبطة بارتفاع أسعار النفط التي وصلت أقصاها، فوفّرت سيولة أفادت منها السلطة في الإنفاق على خلق قاعدة اجتماعية للنظام، وهي سنوات برغم مأساويتها حيث كان يجزر فيها الألوف من العراقيين في السجون أو في جبهات الحرب فيما بعد مع إيران، التي ستفرخ فيما بعد العنف الصارخ وتظهر أقسى صوره، فيما يعرضه التلفاز من أشلاء الإنسان في الحرب على أنها انتصار (صور من المعركة بعد نشرة الأخبار الأولى لها موعد ثابت مساء) وصور احتفاء (الرئيس) على شاشة التلفاز بـ (أب) يقتل (ابنه) لأنه هارب من الجيش، ويكرمه على أنه مثال الأبوة والإخلاص للوطن، ونجدها تتسرب فيما بعد في القسوة في السلوك الآن.
2- الدعم الذي كان يحظى به النظام سواء كان عالميا أو عربيا، وهو مرتبط بمصالح يمثلها كونه سوقا لترويج الكثير من الأسلحة والآليات إلى المأكل والملبس المستورد، فضلا عن التقاطع في المصالح الذي يمثله اقتراب السلطة مع مشاريع دول الجوار ودول أخر في مصالح كثيرة خاصة فيما تمثله الحرب العراقية الإيرانية.
3- القوة العسكرية والمؤسسات الأمنية، المزودة بأحدث الأجهزة في مجال الملاحقة والاستجواب والتصفية، التي سخرها النظام ضد شعبه، وهذه طالت ليس داخل العراق وحده، وإنما لديها تسهيلات لدى دول أخرى؛ فسفارات العراق، ومنظمات السلطة المهنية في الخارج (كالاتحاد الوطني لطلبة العراق وغيره)، كانت تملك أدوات تعذيب وسجون داخل بناياتها كما كشف عن ذلك مؤخرا.
الكاتب صالح الزامل