بسم الله الرحمن الرحيم

( 114 ) سورة الناس مكية و آياتها ست ( 6 )
مدنية و هي مثل سورة الفلق لأنها إحدى المعوذتين و هي ست آيات .

فضلها
الفضل بن يسار قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) اشتكى شكوى شديدة و وجع وجعا شديدا فأتاه جبرائيل و ميكائيل (عليهماالسلام) فقعد جبرائيل (عليه السلام) عند رأسه و ميكائيل عند رجليه فعوذه جبرائيل بقل أعوذ برب الفلق و عوذه ميكائيل بقل أعوذ برب الناس . أبو خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال جاء جبرائيل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو شاك فرقاه بالمعوذتين و قل هو الله أحد و قال باسم الله أرقيك و الله يشفيك من كل داء يؤذيك خذها فلتهنيك فقال : .
سورة الناس
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَب النَّاسِ(1) مَلِكِ النَّاسِ(2) إِلَهِ النَّاسِ(3) مِن شرِّ الْوَسوَاسِ الخَْنَّاسِ(4) الَّذِى يُوَسوِس فى صدُورِ النَّاسِ(5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ(6)
القراءة
قرأ أبو عمرو الدوري عن الكسائي يميل الناس في موضع الجر و لا يميل في الرفع و النصب و الباقون لا يميلون .

اللغة
الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي و أصله الصوت الخفي من قول الأعشى :

تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت
كما استعان بريح عشرق زجل قال رؤبة :
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق
سرا و قد أون تأوين العقق و الوسوسة كالهمهمة و منه قولهم فلان موسوس إذا غلب عليه ما يعتريه من المرة يقال وسوس وسواسا و وسوسة و توسوس و الخنوس الاختفاء بعد الظهور خنس يخنس و منه الخنس في الأنف لخفائه بانخفاضة عند ما يظهر بنتوة و أصل الناس الأناس فحذفت الهمزة التي هي فأويد لك على ذلك الإنس و الأناس و أما قولهم في تحقيره نويس فإن الألف لما كانت ثانية زائدة أشبهت ألف فاعل فقلبت واوا .

الإعراب
قيل إن قوله « من الجنة » بدل من قوله « من شر الوسواس » فكأنه قال أعوذ بالله من شر الجنة و الناس و قيل إن من تبين للوسواس و التقدير من شر ذي الوسواس الخناس من الجنة و الناس أي صاحب الوسواس الذي من الجنة و الناس فيكون الناس معطوفا على الوسواس الذي هو في معنى ذي الوسواس و إن شئت لم تحذف المضاف فيكون التقدير من شر الوسواس الواقع من الجنة التي توسوسه في صدور الناس فيكون فاعل يوسوس ضمير الجنة و إنما ذكر لأن الجنة و الجن واحد و جازت الكناية عنه و إن كان متأخرا لأنه في نية التقديم فجرى مجرى قوله فأوجس في نفسه خيفة موسى و حذف العائد من الصلة إلى الموصوف كما في قوله أ هذا الذي بعث الله رسولا أي بعثه الله رسولا .

المعنى
« قل » يا محمد « أعوذ برب الناس » أي خالقهم و مدبرهم و منشئهم « ملك الناس » أي سيدهم و القادر عليهم و لم يجز هنا إلا ملك و جاز في فاتحة الكتاب ملك و مالك و ذلك لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير و ليس كذلك مالك و ذلك لأنه يجوز أن يقال مالك الثوب و لا يجوز ملك الثوب فجرت اللفظة في فاتحة الكتاب على معنى الملك في يوم الجزاء و جرت في هذه السورة على ملك تدبير من يعقل التدبير فكان لفظ

ملك أولى هنا و أحسن و معناه ملك الناس كلهم و إليه مفزعهم في الحوائج « إله الناس » معناه الذي يجب على الناس أن يعبدوه لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره و إنما خص سبحانه الناس و إن كان سبحانه ربا لجميع الخلائق لأن في الناس عظماء فأخبر بأنه ربهم و إن عظموا و لأنه سبحانه أمر بالاستعاذة من شرهم فأخبر بذكرهم أنه الذي يعيذه منهم و في الناس ملوك فذكر أنه ملكهم و في الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم و معبودهم و أنه هو المستحق للعبادة دون غيره قال جامع العلوم النحوي و ليس قوله « الناس » تكرارا لأن المراد بالأول الأجنة و لهذا قال « برب الناس » لأنه يربيهم و المراد بالثاني الأطفال و لذلك قال « ملك الناس » لأنه يملكهم و المراد بالثالث البالغون المكلفون و لذلك قال « إله الناس » لأنهم يعبدونه و المراد بالرابع العلماء لأن الشيطان يوسوس إليهم و لا يريد الجهال لأن الجاهل يضل بجهله و إنما تقع الوسوسة في قلب العالم كما قال فوسوس إليه الشيطان و قوله « من شر الوسواس الخناس »
فيه أقوال
( أحدها ) أن معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة و قد مر بيانه
( و ثانيها ) أن معناه من شر ذي الوسواس و هو الشيطان كما جاء في الأثر أنه يوسوس فإذا ذكر العبد ربه خنس ثم وصفه الله تعالى بقوله « الذي يوسوس في صدور الناس » أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع ثم ذكر أن هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس « من الجنة » و هم الشياطين كما قال سبحانه إلا إبليس كان من الجن ثم عطف بقوله « و الناس » على الوسواس و المعنى من شر الوسواس و من شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن و الإنس
( و ثالثها ) أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ثم فسره بقوله « من الجنة و الناس » كما يقال نعوذ بالله من شر كل مارد من الجن و الإنس و على هذا فيكون وسواس الجنة هو وسواس الشيطان على ما مضى و في وسواس الإنس وجهان ( أحدهما ) أنه وسوسة الإنسان من نفسه ( و الثاني ) إغواء من يغويه من الناس و يدل عليه قوله شياطين الإنس و الجن فشيطان الجن يوسوس و شيطان الإنس يأتي علانية و يرى أنه ينصح و قصده الشر قال مجاهد : الخناس الشيطان إذا ذكر اسم الله سبحانه خنس و انقبض و إذا لم يذكر الله انبسط على القلب و يؤيده ما روي عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : إن الشيطان واضح خطمة على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس و إذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس و قيل الخناس معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور و هو المستتر المختفي من أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين و قال إبراهيم التيمي أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء و قيل إن معنى قوله « يوسوس في صدور الناس » يلقي الشغل في قلوبهم بوسواسه و المراد أن له رفقاء به يوصل الوسواس إلى المصدر و هو أقرب من خلوصه بنفسه إلى صدره و في هذا إشارة إلى أن

الضرر يلحق من جهة هؤلاء و أنهم قادرون على ذلك و لولاه لما حسن الأمر بالاستعاذة منهم و فيه دلالة على أنه لا ضرر ممن يتعوذ به و إنما الضرر كله ممن يتعوذ منه و لو كان سبحانه خالقا للقبائح لكان الضرر كله منه جل و عز و فيه إشارة أيضا إلى أنه سبحانه يراعي حال من يتعوذ به فيكفيه شرورهم و لو لا ذلك لما دعاه إلى التعوذ به من شرورهم و لما وصف سبحانه نفسه بأنه الرب الإله الغني عن الخلق فإن من احتاج إلى غيره لا يكون إلها و من كان غنيا عالما لغناه لا يختار فعل القبيح و لهذا حسنت الاستعاذة به من شر غيره و روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا قرأت قل أعوذ برب الفلق فقل في نفسك أعوذ برب الفلق و إذا قرأت قل أعوذ برب الناس قل في نفسك أعوذ برب الناس و روى العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أما من مؤمن إلا و لقلبه في صدره أذنان أذن ينفث فيها الملك و أذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك و هو قوله سبحانه و أيدهم بروح منه .