في تحدٍّ للفيزياء النظرية، كشفت دراسة عملية أن فهمنا للجاذبية، كما صوَّره العالم ألبرت آينشتاين على مدى 100 عام قد يكون خاطئاً كلياً.
بحثت الدراسة توزيع الجاذبية حول أكثر من 30,000 مجرة، وإن تأكد ما تقترحه، فإنها سوف تعيد كتابة الفيزياء كلياً، ماحية بطريقها المادة السوداء التي عجز العلماء عن إيجادها، بحسب صحيفة Daily Mail البريطانية.
ما النظرية إذاً؟
نشر إريك فيرليند، الأستاذ بجامعة أمستردام “فرضية فيرليند للجاذبية”، في وقت سابق من هذا العام، وذلك في محاولة لحلِّ لغز المادة المظلمة.
عند دراسة النجوم والمجرات، وجد علماء الفلك أن قوى الجاذبية تبدو أقوى مما كان متوقعاً، أما المناطق الخارجية من المجرات، مثل مجرتنا درب التبانة، فتدور حول المركز بشكل أسرع بكثير مما يمكن أن تستأثر به كمية المادة العادية مثل النجوم والكواكب والغازات.
تقليدياً، أوضح علماء الفيزياء هذا التناقض عن طريق افتراض وجود شيء آخر، لا نستطيع أن نراه، ويسمى المادة المظلمة أو السوداء.
لم يسبق أن رُصدت جسيمات المادة المظلمة، رغم الجهود المبذولة لكشفها، لكن علماء الفلك يستدلون حالياً على وجودها من خلال مراقبة بعض آثارها الجاذبة للمادة التي نراها بالفعل.
يقول فيرليند إننا بحاجة إلى إعادة التفكير في الجاذبية، وإزالة المادة المظلمة من المعادلة تماماً. وللقيام بذلك، تقترح نظريته المثيرة للجدل أن الجاذبية ليست من قوى الطبيعة الأساسية على الإطلاق، بل هي “ظاهرة ناشئة”.
كتب بروفيسور فيرليند نظريته لأول مرة العام 2010 وظلت غير مجربة حتى الآن. ثم أقدم فريق بحثي من جامعة ليدن في هولندا باختبارها وتوفير أول الأدلة التجريبية للفرضية المثيرة للجدل.
آلية الدراسة
بدأ الفريق الذي تقوده عالمة الفلك مارغو بروير من مرصد ليدن، بمراقبة توزيع المادة في أكثر من 30,000 مجرة. ووجد الباحثون أنه عند استخدام فرضية فيرليند يمكن تفسير توزيع المادة دون استخدام مفهوم “المادة السوداء”.
واستخدم الباحثون “عدسة الجاذبية”، وهي مؤثر بصري تظهر فيها المجرات الأقرب إلى الأرض، وهي تثني الضوء المنبعث مِن المجرات الأكثر بعداً، وهي طريقة معتمدة لقياس كتلة المجرة.
تثني جاذبية المجرات نسيج الفضاء فينحني الضوء المسافر عبره. ويسمح انحناء الضوء هذا بقياس توزيع الجاذبية حول المجرات، حتى عند مسافات أكبر بمائة مرة من المجرة نفسها.
قدم الفريق توقعات حول المجرات باستخدام كل من نظرية أينشتاين النسبية وفرضية فيرليند للجاذبية، ثم قارنوا بين توقعات النظريتين والملاحظات الفعلية.
وجد الباحثون أنه في حين قدمت كل من النظريتين التوقعات الصحيحة عن المجرات، فإن فرضية فيرليند فعلت ذلك دون استخدام أي من “المعامِلات الحرة”.
ما المعامِلات الحرة؟
هي القيم التي يمكن تعديلها، فهي في الأساس “قيم زائفة” لضمان أن الملاحظات حول مجرة ما تطابق الفرضية الأولية، وهي تستخدم عند إدخال المادة السوداء أو المظلمة في المعادلة.
وقال الباحثون إن إدخال تحليل الطاقة السوداء داخل معادلاتهم كان يعني اضطرارهم لاستخدام هذه القيم الحرة.
بدورها أوضحت المؤلفة الرئيسية وطالبة الدكتوراه مارغو بروير في حوارها مع مجلة “نيو ساينتست”: “يتلاءم نموذج المادة السوداء أكثر مع البيانات من نظرية فيرليند، ولكن إذا رجعنا للمعادلات الرياضية، مع العلم أن توقع فيرليند ليس به أية معامِلات حرة، عندئذ نجد أن نموذج فيرليند أفضل”.
ويتوقع المراقبون أنه إذا تم إجراء المزيد من الدراسات على النظرية الجديدة، فإنها ستطيح بأكثر من 100 عام من الفيزياء، وربما تتخلص كلياً من نظرية المادة السوداء.
أما إذا ثبت في نهاية المطاف صحتها، فقد تقود إلى “نظرية كل شيء”، التي تجمع العالم الملحوظ للفيزياء الكلاسيكية مع العالم المحير لميكانيكا الكم.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف تتطور هذه النظرية، وكيف يمكن اختبارها أكثر؟ إلا أنه من المؤكد أن نتيجة هذا الاختبار الأول تبدو بالتأكيد مثيرة للاهتمام، على حد تعبير بروير.
ثورة علمية
وقال البروفيسور فيرليند في حوار مع موقع NOS الإخباري الهولندي: “إن الأفكار الحالية عن المكان والزمان والجاذبية بحاجة ماسة لإعادة تفكير. منذ وقت طويل أدركنا أن نظرية أينشتاين للجاذبية لا يمكن أن تعمل مع ميكانيكا الكم. والنتائج التي توصلنا إليها تتغير بشكل كبير، وأعتقد أننا على أعتاب ثورة علمية”.