من تابع مواسم المسلسل الأميركي الناجح "...The real housewives of" نيويورك وبفرلي هيلز، سيشدّه كثيراً عنوان الحلقة الجديدة من سلسلة "Revolt" التي تقدّمها قناة "بي بي سي الثانية". العنوان يستعيد المسلسل الذي سلّط الضوء على حياة ربات المنازل الأمريكيات (غير التقليديات) وديناميات العلاقة التي تربطهن... ولكن بنسخة "داعشية". تتابع الحلقة بأسلوب شديد السخرية حياة عدد من زوجات مقاتلي "داعش"، ليبدو شكل الأحاديث وطبيعة العلاقة بينهن أشبه بالنسخة النيويوركية (أو البريطانية) للمرأة، فطبيعة الأخيرة هي نفسها أينما كانت، فيما تختلف بين الطرفين الظروف واهتمامات الرجال التي تحاول الزوجة مجاراتها.
"ثلاث أيام تفصلني عن قطع الرؤوس وليس لديّ أي فكرة عما يمكن أن أرتديه للمناسبة"، تقول إحدى السيدات وهي تلتقط صورة "سلفي". "هذا هو زواجي السادس، لقد ترملت قبل ذلك خمسة مرات"، تروي سيدة أخرى بلكنة بريطانيّة خالصة قبل أن يدوي انفجار في الغرفة فتقول بسخرية "ست مرات"، في دليل على وفاة زوجها في تلك اللحظة. لا يبدو أنها تهتم كثيراً بوفاته، فالعلاقات في ذاك المحيط لا تستند إلى المنظومة القيميّة نفسها التي تحكم مفاهيم الحب والزواج والتمسك بالرجل، بحسب ما يظهر الفيديو.
في المقابل، تقول أخرى وهي تنظف أرض غرفة فقيرة "أنا سعيدة لأنني انتقلت إلى هنا، كل ما قالوه لي في غرف التواصل وجدته هنا، لم يكن هناك مفاجآت…". تنتظر فتاتان رفيقة ثالثة لهما ستفاجئهما بما ترتديه وهما تجهزان الهاتف لتُحمّلا الصورة على "إنستغرام"، فتدخل مرتدية سترة ناسفة قدمها لها أحمد هدية بالأمس. وفي مشهد آخر، تحترق زوجة بنار الغيرة بسبب هوس زوجها بـ"40 عذراء" (في دليل على ما يعتقد الانتحاريون أنهم سيحصلون عليه في الجنة)، وتفرح أخرى لأن زوجها أطال السلسلة التي يربطها بها في المنزل، فأصبح بإمكانها الخروج إلى الشرفة!
صداقة منذ الثامنة... وسخرية
كتب كل من هايدون براوس وجوليون روبنشتاين حلقات البرنامج، وهما ممثلان ومخرجان بريطانيان كانا قد أثارا جدلاً واسعاً في العديد من البرامج الساخرة السابقة، وأبرزها "الثورة عندما تصبح متلفزة". في مقابلة مع موقع "إيفننغ ستاندرد" Evening Standard، يقولان إن "أسوأ الأمور تنتج أكثر الظواهر القابلة للسخرية". وجد الثنائي، الذي فاز بالعديد من الجوائز وتجمعه الصداقة منذ سن الثامنة، نفسه في مواقف جدليّة عدة إذ لم ترحم تعليقاته لا الداخل البريطاني من بلير وكاميرون وغيرهما، ولا الخارج من ترامب والسعودية وإسرائيل…
"بواقعية شديدة"، يقول روبنشتاين، إن "هذه البرامج لا تغيّر العالم"، و"إنه لا يعاني من أوهام العظمة". ويضيف شارحاً أن كل ما في الأمر هو أن "العالم أصبح جدياً للغاية في الأمور السياسية"، و"مهمتنا أن ننتقد الجميع".
قد يجيب ما قاله الشابان على موجة الانتقادات الواسعة التي طالتهما بعد نشر حلقة "زوجات داعش الحقيقيات"، لا سيما وأن واقع النساء الموجودات ضمن "الدولة الإسلامية" شديد الحساسية والرعب. هؤلاء إما سبايا أو فتيات تمّ التغرير بهن ليجدن أنفسهن لاحقاً في شرك واقع يفتك بالنساء. وفي وقت سابق، كانت قد انتشرت تسجيلات عدة يظهر فيها عناصر "داعش" وهم يتناوبون على امرأة، أو يعذبونها. أما شهادات الفتيات الأيزيديات اللواتي استطعن الهرب من هذا الجحيم فخير دليل على بشاعة هذا الواقع.
بين الانتقاد والترحيب
أجمع كثر على انتقاد الحلقة لاعتمادها السخرية في غير محلها. جزء منهم رأى فيها إهانة لضحايا داعش من الفتيات التي بحوزتهن الآن، إلى أهاليهن، كما لمن فقد ابنة أو عزيزاً علي أيديهم، مسلماً بأن هؤلاء "لن يضحكوا". آخرون فوجئوا بأن تدخل "بي بي سي المهنيّة في هذا المجال"، كما استغربوا "الاستخفاف بعمليات الاغتصاب والذلّ التي تحصل لدى داعش". "لا ليس ذلك مضحكاً أبداً بل معيب"، هكذا انهالت التعليقات على فيديو الدقيقتين الذي تخطت مشاهداته المليون مع آلاف المشاركات.
واجتمعت العديد من كبريات الصحف البريطانية كـ"التلغراف" و"الغارديان" و"الاندبندنت" و"الدايلي مايل" على متابعة العراك الحاصل بشأن الفيديو، بينما أشارت بعض المقالات إلى دور الحلقة في تعزيز "الصورة النمطية" عن الإسلام، وفي ترسيخ ظاهرة "الإسلاموفوبيا".
في المقابل، وتحت عنوان "لماذا نحتاج إلى الزوجات الحقيقيات لداعش"، كتب ستيفان نايت قائلاً إن برامج السخرية العادية كالتي يقدمها جون ستيوارت وشارلي بروكر فقدت قدرتها على التأثير، لا بل أخذت طرفاً محدداً مع اليمين في حربه على الإرهاب الإسلامي. ولهذا رأى أن هذا النوع مطلوب لقدرته على المفاجأة والتغيير.
كما كتب تيم بونشي "هذا رائع... العالم تنزعج من السخرية غير المطابقة للمواصفات. لكن ذلك جريء وممتع... حتى الإسلام سيحبونه". وقال سيّد حسين "أنا مسلم ولن أكذب عليكم... لقد ضحكت كثيراً". واحتفى علي، الكوميدي البريطاني من أصول عربيّة، بالفيديو قائلاً إنه ذكي جداً، وأن السخرية على "داعش" تفيد كثيراً خاصة في توعية الجيل الشاب.
في المحصلة، بدا الانقسام واضحاً في استقبال الفيديو، لكن الأكيد أنه حقّق انتشاراً واسعاً، وأعاد النقاش بشأن دور السخرية وحدودها في مقاربة القضايا الحساسة. كما طرح مسألة المواجهة بين البرامج الكوميدية التقليدية وتلك الحديثة التي تتسّم بجرأة أكبر وبالخروج عن معايير "الاحترام" التقليدية.