لماذا بكي حسينا!!
اننا لا نبكي حسينا ; بل نبكي الاسلام. ان الامام الحسين (عليه السلام) ليس هو الامام الحسين بن علي (عليه السلام) لشخصه ؛ بل انه يتمثل بالاسلام ذاته. انه نور الله في ارضه؛ لانه تبارك وتعالى اعزنا بنوره بالاسلام دينا، وهذا الدين الذي حمله جده المصطفى محمد (صلى الله عليه واله) وادى امانة التبليغ، واتمهابولاية امير المؤمنين (عليه السلام) اذ لا يعقل ان يترك الدين سدى بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه واله) ;لانه صرح القران الكريم بالخلافة الى وصيه علي بن ابي طالب(عليه السلام) بالنص، لا بالشورى . لان الامامة تتطلب العصمة، والعصمة تقتضي النص، وهي امر خفي لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالى ,فيجب ان ان يكون تنصيبه من قبل الله سبحانه، لانه العالم بافعال الانسان، وعصمته من الخطا دون غيره, لذلك انزلت ايه الولايه ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) المائدة (55) (1)
انما جعلت الاوصاف في علي بن ابي طالب (عليه السلام) لانه تصدق بخاتمه حال ركوعه، ولا خلاف في تفسير الايه ونزولها فيه باتفاق المفسرين. فالخليفة من بعد الرسول (صلى الله عليه واله) هو علي بن ابي طالب (عليه السلام) بلا اشكال، فهو الولي وحاءت الاية بصيعة الجمع، لان الخلفاء من بعد النبي (صلى الله عليه واله) اثنا عشر خليفة. وكما نعلم ان موسى (عليه السلام) خلف من بعده اثنا عشر اسباط، وعيسى (عليه السلام) خلف من بعده اثنا عشر حواريون، كذلك رسول الله (صلى الله عليه واله) خلف اثنا عشر اماما. والدليل الايه المذكورة وكذلك الرواية التي وردت في صحيح البخاري: في الجزء الرابع في كتاب الأحكام في باب جعله قبل باب إخراج الخصوم، وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة (صفحة 175 طبعة مصر سنة 1355 هجري )، حدَّثني محمد بن المثنى حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " يكون اثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى: انه يقول:" كلهم من قريش (2).
_____________________________________________
(1) المائدة 55
(2) صحيح البخاري<4 كتاب الاحكام باب اخراج الخصوم
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) البخاري مع الفتح ( 13/181) و مسلم ( برقم1821) والترمذي ( برقم 2224) والمسند (5/87،90،92،95،97،99،101،107، 108) . و في رواية أبي داود من طريق آخر بلفظ ( لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة ) فسمعت كلاماً من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه ، قلت لأبي : ما يقول ؟ قال : ( كلهم من قريش ) أبو داود ( برقم 4279) . و في رواية له أيضاً : ( لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ) الحديث. أبو داود ( برقم 4280) (1)
وكذلك اوصى الرسول (صلى الله عليه واله) في حديث الغدير بالتمسك بكتاب الله، والعترة الطاهرة في حجة الوداع .
يقول الإمام مسلم في صحيحه : " وعن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوما فينا خطيبا بماء يدعى " خما " بين مكة والمدينة فحمد الله ووعظ وذكر ، ثم قال : أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله . . . ثم قال وأهل بيتي . . . " ولهذا يقول ابن حجر كما تقدم " إن حديث الغدير صحيح لا مرية فيه، ولا يلتفت لمن قدح في صحته ولا لمن رده" .(2)
الرسول(صلى الله عليه واله) حمل الرسالة والكتاب, وتزعم الحكومة الاسلامية؛ لكنها لم تستمر بعد وفاته ولم يتسنى للامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) اقامتها ,لان حكومة الرسول واحكامه، قد تعرضت للتداخلات الشخصية، والاجتهاد بالراي المخالفه للتعاليم الاسلامية التي جاء بها الرسول (صلى الله عليه واله) عن طريق الوحي، وكذلك مخلفات الخلفاء، من احكام واجتهادات بالراي، واستلامهم ازمه الخلافه بالشورى، واقامة الاحكام الاجتهاديه بالراي حالت دون ذلك .
(1)صحيح البخاري 13،181 ، صحيح مسلم 1821، الترمذي 2224 المسند (95،92،80،87،108،107،51،99،97،95) ابو داود 1279،4280
(2) صحيح مسلم – حديث الغدير ،حجة الوداع
اذ اخفقت الخلافة لدى الامام الحسن بن علي (عليه السلام)، وابتعاد الناس عنه واحالت الى الخليفه معاويه بن ابي سفيان، هنالك برز الامام الحسين بن علي (عليه السلام) فقال كلمته الخالدة : (( لو كان دين محمد لا يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني)). هذه الكلمات الرائعه بما فيها من محتوى ومغزى عميق,اخذت مكانتها في قلوب الموالينلاهل البيت (عليهم السلام). وذلك لان الحكومة الاسلامية انذاك بعيدة كل البعد عن الالتزام بالتعاليم الاسلامية،واقامة الحدود وتطبيقاتها وفق النصوص القرانية . اذ قال تعالى في محكم كتابه ((بسم الله الرحمن الرحيم ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون)) المائدة 44 (1)
فاراد الباري عز وجل ان ان يثبت لنا؛ بان الناس لا ترضى بالحكومة الاسلاميه واقامة حدودها وتعاليمها , والتحكم والسيطره، واقامة العدل على الارض الا ان يظهر صاحب العصر والزمان الامام الخلف محمد بن الحسن المهدي (عجل الله فرجه ومخرجه) من احفاد الامام الحسين بن علي (عليه السلام) الامام الثاني عشر القائم، اذ قال تعالى : (( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ((التوبة32-33 (2)
اي يتمه بالاسلام بظهور القائم وقال ايضا : ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ )) الأنبياء 105-106 (3)
(1) المائدة 44
(2) التوبة 32-33
(3) الانبياء 105-106
فاستشهد الامام الحسين (عليه السلام) وسبيت نساؤه، ويتمت اطفاله ,وقتلت اخوته واصحابه، واسرت اخواته؛ حاسرات كاشفات من بعد العز مذللات .
فنحن لا نبكي حسينا كشخص؛ بل نبكي الحكومة الاسلامية التي اثبت لنا الامام الحسين (عليه السلام) بانها ضاعت، ولن ترجع الا على يد صاحب العصر والزمان، فحسرتنا وحززننا على الاسلام ,لا على الامام الحسين بن علي (عليه السلام).
نحن نبكي الظلم، والجور، والهوان، نبكي ونذكر دائما جور الحكام وتسلطهم في حكم الجاهلية، والاحكام العرفيةواهمال الناس لحكم الله في الارض، فمنع الامام الحسين (عليه السلام) عن اقامة حكومة الله في الارض . وكان الجواب : يا حسين اخضع لامر الخليفة امير المؤمنين – يزيد بن معاوية - هذه الماساة، وهذه الازمة التي مرت بها الامة الاسلاميه . انما اراد الامام الحسين (عليه السلام) اقامة حكومة جده رسول الله (صلى الله عليه واله) اقامة نور الله في الارض فمنع من هذا الحق. وما زلنا لحد الان، والتاريح يمضي عبر السنين، واحفاد يزيد بن معاوية يتمسكون بالسلطة، وكل من يتقرب لحكم الله فهو سياسي، ويطلب الرئاسة والزعامة والتسلط، وكأن السلطة موقوفة لاصحاب النظام العرفي والدنيوي دون الحكم الالهي . ومن هذا المنطلق ظهر شعار عزل الدين عن السياسه .
فالبكاء هو على الاسلام على دولة الرسول ( صلى الله عليه واله) . اراد الامام الحسين (عليه السلام) ان يثبت لنا بانه لا يجروء احد على اقامة دولة اسلامية، لان الامام الحسين (عليه السلام) ابن علي بن ابي طالب (عليه السلام) وجده رسول الله (صلى الله عليه واله) وامه فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلوات الله عليه واله) اشرف خلق الله خلقا وخلق, قتلوه وظلموه، فمنيا ترى يظهرويكون اشرف من هذا الرجل، ويستطيع ان يدعو الى اقامة الحكومة الاسلامية، ويقبل بحكمه ويرتضوا بكلمته دون الامام الحسين (عليه السلام).
الشيخ مالك مهدي خلصان