علي المندلاوي يعرض غلاف كتابه «وجوه» («الشرق الأوسط»)
زها حديد - أحمد فؤاد نجم - أم كلثوم
حكاياته مع فن الرسوم الكاريكاتيرية، وبالتحديد فن رسم الوجوه بطريقة كاريكاتيرية لا تخلو من جرأة واضحة وحرفية مميزة، بدأت برسم وجه نجم كرة القدم العراقي الراحل «عمو بابا» في منتصف السبعينات من القرن الماضي، ولم يكن يعلم وقتها أن طريقته هذه ستكون طريقا لرسم عشرات الوجوه لتكون سلمه فيما بعد إلى النجومية والشهرة، هو الفنان الكردي العراقي علي المندلاوي الذي احتفل ببغداد مع أصدقائه ومحبيه بتوقيع كتابه الجديد «وجوه» وهو يحوي بين طياته لوحات فنية مميزة لوجوه عشرات من مشاهير العالم في مجالات السياسة والفن والأدب والمجتمع ومن بلاد العرب والعجم.. في تجربة امتدت لأكثر من (30) عاما وثق فيها وجوها معروفة من الداخل ووصلت لوحاته إلى كبريات المتاحف العالمية لتعلق فيها كجزء من معروضاتها المهمة. في حفل توقيع كتابه هذا الشهر الذي شهد حضورا لافتا لزملائه وأصحابه في جمعية الثقافة للجميع (إحدى مؤسسات المجتمع المدني) وسط العاصمة بغداد، أكد الرسام العراقي علي المندلاوي أن «الفرق بين رسم الوجه والكاريكاتير هو في جرعة الكاريكاتير التي تعطى للرسم، وفيها أيضا جرعة تشكيلية وتأثيرات كثيرة أخرى، وهذه الجرعة من الكاريكاتير في الوجوه ربما تكون في ملامح الوجه، وتبقى الملامح هي الوعاء للشخصية، أنا أجسده، ليست ملامحه بالدرجة الأولى، بل من هو وكيف يفكر».
وأضاف: «لا أضع أي خط أحمر عندما أهم برسم شخصية معينة، إما ألا أرسمه أو أرسمه بلا أي مجاملة، لن أفكر في أي شيء من قبيل الزعل أو الغضب أبدا، مثلما لم أفكر في أن أرسم كاريكاتير، بل إن الوجه يتحول إلى كاريكاتير من دون أن أعرف».
قدم للجلسة الفنان عبد الرحيم ياسر بالقول: «علي المندلاوي يحاول دائما البحث عن تفاصيل الشخصية وكان يستقصي الرسم الذي رسمه عند جواد سليم وقد عمل علي في مجلتي والمزمار وفي ألف باء كذلك عمل في مجلات عربية وأجنبية وكان رائدا في إيجاد مجموعة من الريادات هذا ليس أول كتاب صدر له لديه كتاب صدر للأطفال جمع فيه كل أعماله».
بينما أكد المندلاوي، بعدها أن «وزارة الثقافة شبه عاطلة عن الدعم كان من المفروض دعم هذا الكتاب (وجوه المندلاوي) الذي عملت سنتين في إعداده. هذا الكتاب يضم عددا كبيرا من أعمالي وسبق أن أقمت معرضا في القاهرة عن أبرز ما فيه من أعمال»، وأضاف «لا توجد مكتبة عربية تتناول موضوع فن الكاريكاتير وكتابي الأخير (وجوه) له أهمية كبيرة كونه يشكل أجمل حساسية باللون».
وعن إصداره لكتابه الجديد «وجوه»، قال: «رسمت وجوها كثيرة تناقلتها الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت بمناسبة ومن دون مناسبة، بعلمي أو من دونه، لذلك فضلت أن أوثق ما قمت به من وجوه في كتاب حمل ذات الاسم، ولدي ثلاث مخطوطات في طريقها للمراحل النهائية قبل الطبع، وتحمل ملامح من تجربة أعمق»، أما أبرز ما ضمه كتابه من وجوه لمشاهير العالم فكانت وجوها لبدر شاكر السياب وجواد سليم وفؤاد التكرلي وميشال فوغو ومروان البرغوثي وغادة السمان وأم كلثوم والفنان المصري عمر الشريف والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وكوندليزا رايس وباراك أوباما وبنيامين نتنياهو وأبو حمزة المصري والمعمارية زها حديد وآخرين.
وعن نيته إعادة رسم اللوحات، قال: «من الصعب جدا إعادة رسم اللوحات والصعوبة تكمن في أنها لم ترسم بالروحية نفسها التي رسمت فيها لأول مرة، وهذا مستحيل، لأنها شغلت بتقنيات معينة وفي وقت معين وفي نفسية معينة وإحساس معين، وهذه كلها لا يمكن أن تتوفر نفسها حاليا».
الإعلامي والكاتب العراقي حسن العاني، تحدث عن ملامح من رسوم المندلاوي بالقول: «ثمة أمران متلازمان، أولهما: أن وجوه المندلاوي لا تمت بصلة إلى أصحابها - إلا على مستوى الشبه الخلقي فنيا - وإنما لرؤية الفنان، أي ما يحمله الوجه من روح الشخصية وما يعبر عنه من مكنونات نفسية على وفق رؤية المندلاوي، وفي ضوء الكيفية التي استدل عليها وفهمها واستنتجها من وجهة نظره الخاصة، وقد نختلف معه أو نتفق في وقائع الاستنتاج ليس مهما لأن الفنان لا يجيد لعبة الديكتاتور ضد معارضيه فالحرية هي لعبته الوحيدة، إن ما هو مهم عند المندلاوي، يكمن في عكس رؤيته الفكرية والفنية والانطباعية على الوجه بعد قراءة نفسية لبناء الشخصية الداخلي، والثاني يتمثل في متممات اللوحة إذا جاز التعبير، وهو الجانب الرمزي المتروك لفهم المتلقي وثقافته، ولهذا قد تتباين تفاسيرنا ومستويات القراءة عندنا حين نتأمل ملاحق الحصيري مثلا أو عمر الشريف أو البياتي أو الناصري أو السياب».
وأضاف: «ملاحق المندلاوي أو متممات الوجوه، ليست ديكورات فنية لأغراض جمالية، بل هي إشارات ودلالات ومعان ورموز، قد يكون فهمها صعبا، وقد تسبب لنا الصداع، ولكنها في الأحوال كلها تتوفر على جهدٍ فكري، وفلسفة فنان، ودعوة إلى متعة ذهنية.. وغير مهم بعد ذلك أن تكون قراءتي للمندلاوي سطحية ودون استحقاقه، فتلك هي حدود معرفتي، أما الأهم والأكثر أهمية، فهو أن نتعلم قراءة هذا الصديق والفنان والإنسان والمناضل الذي ما زال يخترق ويحترق ويحاول البقاء شامخا في عصر العمائم، وإعلان حظر التجوال على الفنْ».
بينما قال عنه صديقه الفنان خضير الحميري: «هذه الوجوه رسمها على امتداد مدة طويلة وانتقاها من مجموعة رسوم رسمها منذ عام 1977، وميزة الكتاب أنه يضم رسوم علي المندلاوي الذي كما نعرف أنه يمثل اتجاها خاصا لا يشبهه أحد في تنفيذ البورتريه على الرغم من أنه خلق موجة من التأثيرات لدى رسامين شباب حاليا من ضمنهم أمير عجام وهو رسام عراقي عالمي وعلاء كاظم والراحل أحمد الربيعي وأحمد خليل وغزال، وكلهم يرسمون البورتريه، ربما تأثرا وإعجابا بتجربة المندلاوي، ولكن تبقى مدرسة علي المندلاوي».
وأضاف: «الميزة التي يؤثث فيها المندلاوي لشخصيته المرسومة تختلف عن الآخرين، فهو لا ينظر بسطحية للشخصية التي يرسمها، بل إنه يرسمها بعد أن يتعمق بملامحها الثقافية، وبأهم مميزاتها، والمندلاوي معروف بـ(الشبه) أي إنه يتقصد إيجاد الشبه مع الشخصية المرسومة، أي إنه لا يتجاهل هذه الخاصية كما يفعل الرسامون الآخرون، لكنه يؤثث في الخلفية ويؤثث محيط الرسم فيعطي لمحة شاملة عن الشخصية المرسومة».
أما الفنان علي الدليمي فقال: «المندلاوي فنان يتمتع بتفرده في عمل البورتريه الفني للفنانين والمثقفين بشكل عام، إنه يشتغل على الوجه الباطني للشخصية، أي إنه يقرأ عن الشخصية التي يريد أن يرسمها وعن تجربتها وتاريخها وأعمالها قبل أن يرسم ملامح الوجه كالأنف والشعر والشفاه، المندلاوي فنان نادر، وهو يمتلك الخبرة في ثقافة الطفل وفن الكاريكاتير ويمتلك أفكارا لاذعة فضلا عن كونه فنانا ملوّنا محترفا».
وأضاف: «صدور كتاب مثل كتاب المندلاوي شيء رائع فهو وثيقة مهمة وإضافة مهمة للمكتبة العراقية والعربية وبمكتبة فن البورتريه العالمي بشكل عام لأن لديه طريقة مميزة ومحببة عند الآخرين، وأتمنى أن تكون هنالك كتب أخرى على هذا المنوال لفنانينا من رسامي الكاريكاتير».
ولد الفنان علي المندلاوي في عام 1958 في مدينة مندلي - ديالى ويقيم حاليا في بغداد، العراق، حصل على بكالوريوس أكاديمية الفنون الجميلة تخصص تصميم طباعي عام 1986 وهو كاتب ومصمم ورسام حر عرضت أعماله في معارض شخصية في داخل البلاد وخارجها، له رسوم لكتب وصحافة أطفال كاريكاتير ورسم حر، وضع الرسوم لأكثر من (40) كتابا للأطفال، عمل في جريدة «الشرق الأوسط» الدولية (1999 - 2003) أسس تجمع فنانين ضد القمع في لندن وهو عضو مؤسس لجمعية الكاريكاتير العراقية.