TODAY - July 20, 2010
القادة يضحكون والشعب يبكي

من يرى قادة العراق اليوم، يطلون عليه من صفحات الجرائد، وشاشات التلفزيون، بوجوههم الممتلئة المتوردة الطافحة بالشبع والعافية والكهرباء والماء والعطور، وهم يضحكون ويتبادلون بينهم البسمات والقبلات والعناقات، يظن أنهم قادة الشعب السويدي أو السويسري أو الماليزي، أو حتى الشعب العراقي في العهد الملكي، وليس الشعب العراقي الحزين المسكين في هذه الحقبة المنكفئة المريرة من تاريخه!
حين يضحك قادة البلاد فلا بد أن تكون هناك أسباب وجيهة للضحك، كأن يكونوا قد أنجزوا كل مهماتهم وواجباتهم العامة، والشعب قد عمل بحماس معهم وتحت قيادتهم الرشيدة، والكل يرفل بالسعادة، ومن حقهم أن يفخروا ويكافئوا أنفسهم بالضحكات والنشوات!
ولكن الكل يعرف أن جميع الوعود والمشاريع العامة لم تنجز، والعراق يفتقد لمعظم الأساسيات والخدمات، والشعب اليوم في شقاء وبؤس وقلق وخوف، ولا أحد فيه يضحك سعيداً حقاً!
إذاً، على أي شيء يضحك هؤلاء القادة؟ لا بد أن هناك سوء فهم، التباسا، ضلالا! بلاهة، غفلة، بلادة، أو مناكدة لبعضهم، كل يقول للآخر (مت بغيظك، أنا الرابح، أنا المنتصر، وما عليك سوى أن تذهب إلى الجحيم!).
قديما قالت العرب، الضحك بلا سبب من قلة الأدب، إلا في العراق فهو اليوم من كثرة المآدب بين الأخوة الأعداء، التي تذهب ضحيتها عادة الخرفان المشوية بالنار، والناس المشوية بالحر، وتقتضي المجاملات الخادعة، المبنية على التربص، والحذر، والخوف والنوايا الخاصة! أي أنه ضحك على الآخر، وعلى النفس، وعلى الشعب!
ها قد مضى على ظهور نتائج الانتخابات أربعة شهور أو أكثر، ولا يزال العراق يراوح مكانه، كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا، القادة المحترمون جداً، يبددون الزمن والفرص ببطر يحسدهم عليه أبناء الذوات في تبديد المال والوقت، وتبديد المال والوقت هو من صفات أبناء الذوات، وليس غريباً اليوم أن معظم قادة العراق هم من أبناء الذوات، حتى من ليس له نسب في الذوات وجد له نسباً عريقاً إليهم، فالانتساب للفقراء والمعدمين عيب وعار، رغم أنهم وصلوا إلى مواقعهم الرفيعة بأصواتهم!
قائمة السيد علاوي حصلت على أعلى الأصوات، وهي الفائزة في العرف الديمقراطي المتعارف عليه منذ عهد قدماء اليونان، وهي من ينبغي أن تمنح الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة، ولو كان خصومها قد منحوها هذه الفرصة، واصطفوا حائلين دون تشكيلها الحكومة، لآلت إليهم الفرصة بصورة شرعية رياضية، ووفروا على أنفسهم، وعلى الشعب وقتاً وجهداً!
لكنهم سلكوا طرقاً أخرى تكتنفها الكثير من الشكوك، والسيد علاوي صار اليوم كأي مراجع في دوائر الدولة لديه معاملة بحق مهدور ولا أحد يتسلمها منه، بل يدفعه الفرّاش والمدير العام لكي لا يدخل الدائرة!
والسيد المالكي يعتد بأنه صاحب الكتلة الأكبر، ولكن الكتلة الأكبر لم تتشكل حتى الآن، ولم تتوافق ولم تتماسك، ولم توافق على ولايته، فهل على الناس أن تعطل مصالحها، وتحبس أنفاسها، تنتظر تشكلها وتوافقها وتوحدها؟ وكم تنتظر؟ عاماً أم عامين؟ هل يجوز أن تمرر على الدستور، حتى إذا وافق الناس على تفسير خاطئ له، كتلة لم تولد داخل نفسها بعد؟
والسيد عمار الحكيم حين يخطب رائع جداً، كاريزما حديثة بعمامة قديمة، ولكن العراقيين أصيبوا بالتخمة من الكلام، صارت في أسماعهم حساسية من الكلمات، خاصة الجميلة المنمقة، فهي تصيبها بالحكة والطرش، وما يريدونه أن يلاحق السيد عمار كلماته ليراها كيف تنبت وتنمو على الأرض! هل يقول شيئاً، ويحدث شيء آخر؟
وقادة الكرد قالوها صراحة: نحن لا يهمنا من الصراع الدائر في العراق سوى قضايانا الخاصة، الأراضي (التي يسمونها بالمتنازع عليها أو المقتطعة من جسد كردستان) والنفط، والمادة مئة وأربعين، وحدودنا في جبال حمرين! والباقي لا شأن لنا به، ليبك العراقيون، أو يضحكوا عليه ما شاؤوا! لذا فالقائمة التي ستتحالف معهم عليها أن تدفع ثمناً باهظاً!
ورئيس الجمهورية صار يستفسر من القضاء إن كان لا يزال يمتلك صلاحياته، أم إنه فقدها بحكم الفراغ الدستوري الداهم للدولة! ولكن ماذا فعل رئيس الجمهورية ومجلس الرئاسة حتى حين كانوا يمتلكون صلاحياتهم الدستورية؟ ماذا حلوا من النزاعات الواضحة أو غير الواضحة بين الفرقاء والأصدقاء؟
ومجلس النواب الجديد الذي لم يذق الشعب العراقي حلاوته بعد، يقاد اليوم بكبير السن، أي رجل الحكمة والعقل الراجح، ولكن الوضع لم تعد تجدي معه حكمة أو عقل، فهو صار محكوماً بقوة، العضلات، ولي الأذرع، والضحكات والبسمات!
وأميركا التي يقولون انها محتلة معيقة، مربكة، منحازة، رفعت يدها، جاء بايدن وذهب ولم يحرك ساكناً، أو يسكٌن متحركاً، وسيسحب جيوشه، ومكانك تحمدي أو تستريحي، وفخار يكسر بعضو!
ولكن جميع القادة يضحكون! يتخبطون، ويضحكون، يفشلون، ويضحكون، تتلاعب بمقدرات بلادهم دول حاقدة وجاحدة، ويضحكون، يوصلون البلاد إلى الهاوية، ويضحكون، الشعب يبكي ويلطم، وهم يضحكون، وبعد أن كانت القاعدة الصحية التي تقول إن الضحك يطيل العمر، تبعث على التفاؤل والطمأنينة، صارت هذه القاعدة مرعبة للعراقيين حقاً!
فحين يجد السيد المالكي الوقت لحضور جنازة السيد فضل الله في لبنان، تاركاً خلفه الوضع كله على حاله، وعساه يطول على حاله، يجد السيد علاوي الوقت ليذهب هو أيضاً ويحضر الجنازة في لبنان! والعراقيون هنا لا أحد من القادة يشيع معهم جنازاتهم، أو يبكي معهم في همومهم، والعراق كله صيروه جنازة، كثيرون يريدون دفنه والحيلولة دون نهوضه ليلحق بالحياة الحرة الكريمة!
أبديت مخاوفي في مقالة هنا عقب الانتخابات بأيام، أن يكون العراق اليوم في مشهده الديمقراطي الأخير! وكم تمنيت أن أكون مخطئاً، ولكننا اليوم في زمن لا يحقق لنا سوى توقعاتنا السيئة!
هل الوضع السياسي في العراق يعيش أزمة أخلاق أم فكر أم ممارسة؟ جميعها بكل تأكيد! لكن الأزمة الكبرى هي أن العراق بلا مرجعية أو مظلة ديمقراطية، في الدول الديمقراطية حتى الناشئة منها هناك مؤسسات دولة مشبعة بالروح الديمقراطية حامية لها وينبوعاً يغذيها لتنمو وتزدهر، لقد تحطمت في العراق كل بدايات مؤسساته الديمقراطية، بل الحركة الديمقراطية الشعبية فيه منذ 14 تموز 1958 ، واليوم فيه مرجعيات دينية كثيرة، شيعية وسنية، كلها تؤمن بالتفويض الإلهي، لا التفويض الشعبي الديمقراطي، لذلك فإن القادة يضحكون، فالضحك من نعم الله، والشعب يبكي والبكاء قدر من الله!

إبراهيم أحمد كاتب عراقي مقيم في السويد