TODAY - July 20, 2010
تجارة السمك:«تعالي يا حلوة».. «تفضل أغاتي».. نداء البائعات في أسواق بغداد
بغداد – خلود رمزي
بيدها السميكة، المصبوغة بالحناء، تمسك ام زياد بالسمكة التي يختارها الزبون من حوض الماء وتقوم بذبحها بطريقة بائعي السمك، قبل ان تستلم ثمنها وتبادر زبونها بعبارتها المعتادة “بالعافية” .
ام زياد التي تركها زوجها وتزوج بامرأة اخرى قبل اعوام وجدت في بيع السمك مهنة تساعدها على إعالة نفسها وأولادها الخمسة. وتقول المرأة التي ترتدي السواد منذ ان غادر زوجها المنزل: “في بداية الامر كنت خائفة، لان جو العمل يحتاج الى امرأة قوية تجيد التعامل مع الاخرين، وكنت ابكي احيانا عند دخولي الى سوق السمك بسبب مضايقة بعض الباعة، لكنني اعتدت الامر واصبحت أحسن التعامل مع الجو بعد شهرين من العمل” .
وتؤكد المرأة البدينة التي لا تفارق الابتسامة محياها انها تعمل في هذه المهنة منذ اكثر من 15 عاما استطاعت خلالها تأمين دخل كاف لاعالة اطفالها الذين كبروا وتزوجوا وانشغلوا عنها، وتقول “لقد احببت المهنة وحاولت ان ادفع أولادي للعمل معي لكنهم رفضوا وفضلوا مهنا اخرى” .
وعلى مسافة بضعة أمتار أخرى من أم زياد انتشرت بائعات أخريات ينادين على الزبائن بعبارات خاصة لجذبهم لشراء السمك، فالبيع عند هؤلاء النسوة يدخل في باب “الشطارة” والشاطرة منهن هي من تنجح في التقاط زبون جديد قبل ان يغادر إلى بائعة اخرى.
وتقول نورية السماكة وهي احدى البائعات في المكان ذاته ان “النداء على الزبون فن لابد ان يتقنه البائع في مهنة مثل مهنتنا” وتضيف بصوت بدت فيه خشونة واضحة: “نحن ننادي بعبارات خاصة على الزبون فالفتاة نستقبلها بعبارة (تعالي يا حلوة) حتى وان كانت لا تملك من الجمال شيئا والشاب نقول له (تفضل اغاتي)”.
وتقول نورية ان الزبائن تكتظ لديها صباحي الأربعاء والجمعة، مشيرة إلى أن البغداديين لديهم تقليد خاص، حيث يفضلون تناول الاسماك في هذين اليومين. وتوضح أن الكثير من الزبائن يعتقدون أن تناول السمك في يوم الاربعاء يجلب الرزق الوفير لهم وهي من معتقدات الموروث الشعبي التي اخذوها جيلا بعد جيل، اما يوم الجمعة فهو يوم اجتماع العائلة العراقية على غداء دسم غالبا ما يكون السمك النهري وجبة رئيسة فيه. ويقوم البغداديون في كلا اليومين بشي السمك بطريقة خاصة يطلقون عليها تسمية “السمك المسقوف” اذ يتم فتح جسد السمكة من ظهرها ووضعها بطريقة مستقيمة على نار الفحم، وهذه الطريقة تمثّل استمرارا لعادة سومرية قديمة.
وتنادي البائعات المنتشرات في السوق على انواع كثيرة من الاسماك اهمها البني والكارب والقطان والسمتي والحمري والشبوط والكلاس والشالك والجري والسلفر وجميع هذه الانواع هي من الاسماك النهرية. ويفضل العراقيون شراءها وهي ما زالت حيّة، لذا، يتم اصطيادها في شباك في مدن الناصرية والبصرة والعمارة والبصرة جنوبا فضلا عن مواقع الصيد في المنطقة الغربية التي تتركز في قضاءي هيت وحديثة التابعين لمحافظة الانبار، ومن ثم تنقل الى بغداد وباقي المدن في سيارات خاصة تملأ صناديقها بالمياه للحفاظ على حياتها.
وتغادر البائعات البغداديات في وقت باكر من صباح كل يوم إلى أماكن تجمع السيارات في مناطق الدورة والسيدية والتاجي وابو نؤاس، حيث يشترين الكميات التي يستطعن تصريفها تبعا لظروف السوق. وتقول نورية: “في الشتاء نشتري كميات كبيرة نبيعها في ثلاثة او اربعة ايام، اما في الصيف فنتبضع بشكل يومي كي لا يموت السمك من شدة الحر ونخسر نقودنا” وتضيف البائعة التي بدت مستاءة من قلة الارباح: “نضطر في احيان كثيرة الى التسوق بالآجل وندفع ثمن الاسماك لاحقا للموزعين بعد تصريف البضاعة”.
وتتجمع البائعات في احياء محددة في بغداد تتركز في باب المعظم ومدينة الصدر والبياع وابو دشير والسيدية والعلاوي فضلا عن مجموعة من الاسواق الصغيرة التي تتداخل مع اسواق الخضار وتعد مكملة لها .
وتقول بائعة اخرى يناديها زملاؤها باسم (سليمة ام الجري) كونها متخصصة في بيع اسماك الجري، والتي بدت مرتاحة بعدما قامت بتصريف غالبية بضاعتها قبل منتصف النهار: ان اسعار السمك تختلف وفقا لاختلاف انواعه وطبيعة الاقبال عليه فاسماك القطان والبني تراوح اسعارها بين (13- 15) دولارا للكيلو الواحد، فيما تراوح اسعار سمك الكارب بين (5- 11) دولارا وفقا لحجم السمكة، اذ كلما كبر حجم السمكة كلما زاد سعر الكيلو الواحد منها.
وتضيف البائعة التي انشغلت بتناول وجبة غدائها ان اسعار الاسماك المجمدة والجاهزة في العراق اقل بكثير من اسعار الاسماك الحية، وان اغراق الاسواق بهذه الاسماك لم يؤثر بشكل كبير على بيع الاسماك الحيّة في الاسواق المحلية، وتؤكد أن “العراقيين يفضلون شراء الاسماك الحية التي يختارونها من بين مجموعة من الاسماك التي تسبح في احواض الباعة حتى لو غلي ثمنها،اما الاسماك الجاهزة فيلجأ اليها القلّة من الفقراء”.
وتضيف أن اسماك الجري التي تبيعها هي الأرخص سعرا بين جميع الأسماك وذلك لسرعة تلفها، ولا يتجاوز سعر الكيلو الواحد دولارا ونصف الدولار وتنخفض أسعارها في فصل الصيف إلى نصف القيمة. وتلفت إلى أن العراقيين يستخدمون اسماك الجري لعلاج التهاب المفاصل والروماتيزم ويتناوله المصابون بهذه الامراض لمدة 40 يوما كوجبتين اساسيتين.
وتؤكد معظم البائعات على أن حركة البيع تقل بشكل كبير في فصل الربيع، وتشير أم زياد إلى أن السبب يعود إلى وجود قوانين حكومية تمنع صيد الاسماك في موسم تكاثرها في هذا الفصل ما يجعل أرباحهن تقل بشكل ملحوظ. لكن أم زياد ما تلبث ان تشير إلى أن بعض البائعات - وهي منهن- ينتقلن إلى بيع الخضار والفواكه في هذه الفترة ريثما تنتهي الاسماك من تزاوجها وتعود الحياة من جديد إلى سوق السمك.