قصصي وتجاربي وتوصياتي
يوما ما كنت أسكن في ميسان (العزيزة على قلبي هي واهلها الكرام) واعمل في البزركان .
وكنت مديرا لقسم الاجهزة الدقيقة والتحكم في الحقول النفطية.
في تلك الايام كان هنالك سياسة (تبعيث) البشر وتحويلهم الى ادوات بيد السلطة.
وكنت اعاني من التهديدات المبطنة من قبل الكثيرين لعدم قبولي الانتساب لحزب السلطة .
وكانوا يتعمدون اخباري عن موظفين تعرضوا للتعذيب والتكسير وحتى الاغتيال لرفضهم ذلك.
وكان الشفيع لي (حسب ما اخبرني به احد المقربين) ان هنالك سببان لعدم اعتقالي:
1 – ان غيابي سيتسبب في خلل فني في الحقول النفطية وبالاخص بتشغيل وصيانة العنفات (التوربينات)
حيث كنت متميزا بذلك. وكان المدير العام الاستاذ موجد عبد الزهرة (رحمه الله حيث علمت
وانا بسوريا انه قد اعدم برغم من كونه بعثيا بامتياز)
حيث كان يمنعهم ويقول ان هذا الرجل في حال غيابه سيتوقف النفط عن الضخ الى الفاو.
2 – (كما قال الصديق المذكور اعلاه) ان روحك المرحة وتواضعك مع الجميع جعل لك مكانة في قلوب
المحيطين (بضمنهم رجال الامن)
كان في تلك الايام شخصا اسمه حميد ثويني يتزعم حملة شعواء لارغام الموظفين للدخول
الى الحزب الحاكم.
وكان شرسا الى ابعد الحدود (ويقال انه تسبب في اعدام زوج اخته مدعيا بانه من حزب الدعوة)
لكن كان حميد ثويني المذكور يجاملني كثيرا ويلاطفني للاسباب السابقة من جهة ولانه كان يخافني
باعتباري (سيد) وكان يناديني (سيدنا)
في يوم من الايام جاء الى مكتبي في البزركان واغلق الباب واخذ يلقي على مسامعي نصائح عن مدى
الاستفادة التي سوف اجنيها ان دخلت الى الحزب
وقال نحن نختارك مديرا عاما لكونك اكفأ واعلى شهادة من موجد عبد الزهرة وستحصل على سيارة مارسيدس ...... الخ
فقلت له مايلي:
بالاساس انا احترم واقدر حزب البعث .
وهو حزب وطني انبثق بظروف اغتصاب فلسطين واهدافه المعلنة هي (الوحدة – الحرية الاشتراكية)
التي يقدسها كل عربي شريف ويطمح لها.
لكن انا لا اعتبر الدخول الى الحزب هو الطريق الوحيد لخدمة وطني.
انا مهندس ووجداني كله في العلوم التقنية .
انا يمكنني خداعك وليس صعبا علي الانضمام الى الحزب ودفع اشتراك وحضور الحلقات الحزبية.
ولكني ارى ان هذه مضيعة للوقت.
فعند حصول توقف لتوربين وقيامي بأخذ المخططات الى بيتي ودراستها وفي اليوم التالي
اقوم بالنجاح بتشغيل ذلك التوربين ويستمر تدفق النفط اليس ذلك مكسبا وخدمة لوطني
اهم من دخولي الى الحزب؟ ولكنه اضاف بشكل مؤدب تهديدات مختلفة, واضاف انه خايف على حياتي.
في اليوم التالي في الساعة السادسة صباحا كنت في طريقى من العمارة الى البزركان انقلبت
سيارة لونها رمادي عدة قلبات وتناثر الغبار وعادت السيارة على عجلاتها .
وعند التوجه الى السيارة خرج منها حميد ثويني مغبر ووجهه مثل النومية الحامضة ونظر الي
فتوجه الى يدي يقبلها وهو يقول (ارجوك سيد سامحني)
وبعدها لم يقم بمعاملتي بغير المجاملات دون ذكر اي شيء عن الحزب.
الخلاصة والعبرة والقصد:
الان وصلت الى بيت القصيد . انا لم اسرد القصة اعلاه لمجرد التسلية العابرة .
الشعوب اخواني لاترتقي بالتناحر السياسي او الطائفي او الشوفيني.
وانما ترتقي بالعلماء والمفكرين والشعراء والادباء
ولهذا السبب اول الاعمال التي تمارس على شعب هو عزله عن مثقفيه اما بقتلهم او تشريدهم
الى الخارج وبعد ذلك يسهل تفرقة البقية بمختلف الوسائل لغياب الطبقة المثقفة التي تقود السواد
الاعظم من بسطاء الناس وتفكر بدلا عنهم.
وعلى العكس تجدون الدول الصناعية الكبرى تمنح المغريات لعلماء شعب ما
(حتى ولو كانوا على اختلاف معها) وذلك للاستفادة من علم وخبرة هؤلاء.
اضرب لكم مثلا:
العراق بلد له اولى الحضارات في العالم وفيه مفكرين وعلماء ومنهم الدكتور عبد الجبار عبد الله
عالم بالفيزياء النووية – أحد تلامذة آينشتاين . عمل في جامعة نيويورك وكان يتمتع بمناصب عليا .
ابا الا ان يعود الى بلده ليساهم بنهضته ... ماذا حصل بعد ذلك
قالوا هذا صابئي ثم اعتقلوه بحجة انه ضد الدولة وحبسوه في المراحيض وملازم ثاني
يضربه على وجهه ليقول له (شوكت تعقل)
انا ارى مجتمع (درر العراق) صورة مصغرة لمثقفي الشعب العراقي...
وهذا سر انضمامي والتصاقي واعتزازي به.
ومن هذا المنطلق ونتيجة لكل ما تقدم اتقدم لكم برجاء:
اعزائي توجهوا نحو العلم والبحث العلمي ... الثقافة بكل الوانها ... شعرا , نثرا , الهندسة ,
الطب , الصيدلة , الفيزياء , الرياضيات ... الخ
ابتعدوا عن الاحتقان الديني والطائفي والسياسي.
لايكون احدكم متربصا للآخرين ليقتنص منه هفوة او اختلاف في الرأي
واخيرا ارجو تقبل كل ما تقدم بعميق التفكير ولكم الشكر والتقدير مع كل الاحترام