الفرق بين كلمة (الله)، وكلمة (رب العالمين)
في قوله تعالى: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


سبق لنا أن تناولنا التوسل بالألوهية والربوبية في القرآن[1]،
وملخص ذلك أن أدعية الأنبياء في القرآن الكريم أكثرها توسل بالربوبية وحدها،
ويندر خلاف ذلك.

وإذا راجعنا أدعية السنة من كتاب الدعوات في صحيح البخاري ،
أو كتاب صفة صلاة النبي للألباني ،
أو غير ذلك من كتب السنة الصحيحة، سنجدها على العكس من أدعية القرآن،
وهي كالآتي:

1- أغلب هذه الأدعية مصدرة بكلمة (اللهم)، أو نحو ذلك مما هو توسل بالألوهية وحدها.
2- وبعضها توسل بالألوهية والربوبية معا، في نحو: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي))[2]،
أو في سيد الاستغفار: ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ...))[3]، وغير ذلك، ولكن هذا القسم أقل من القسم الأول.
3- ويندر أن يكون الدعاء في السنة توسل بالربوبية وحدها، في نحو: ((باسمك ربي وضعت جنبي))[4]،

وذلك كله على العكس من أدعية القرآن.

وكذلك، فأدعية التنزيه والتعظيم التي تخلو من سؤال أكثرها توسل بالألوهية وحدها،
مثل: (الحمدُ للهِ)، و(سبحانَ اللهِ)، و(لا إلهَ إلَّا اللهُ)، و(الله أكبر)[5].

والسبب في ذلك، والله أعلم: أن الألوهية أعم من الربوبية،
فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية وليس العكس[6].

وبيان ذلك أنك إذا قلت سبحان الله أكمل من أن تقول سبحان ربي،
لأن لفظ الجلالة الله يتضمن استحقاقه للعبادة وحده،
ويتضمن كذلك الاعتراف بتفرده بالملك والأمر والخلق.

فإن قال قائل نحن نقول في أدعية السجود والركوع والرفع من الركوع:
(سبحان ربي العظيم)، و(ربنا لك الحمد)،
و(سبحان ربي الأعلى)[7]، ونحو ذلك.

نقول والله أعلم، أن (ربنا لك الحمد) مقام شكر،
وقولنا: (اللهم ربنا لك الحمد)، مقام شكر ومدح، وكلاهما ثابت وصحيح،
فالأول شكر على النعم التي أنعم الله علينا،
أما الثاني مدح وشكر للنعم وللصفات الأزلية والفعلية جميعا،
كما مر معنا[8].

أما قولنا سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى،
فهذا من باب الجمع بين الألوهية والربوبية،
فاسم الله العظيم والأعلى متضمنان مقام الألوهية،
لأن العظيم والأعلى ليس في أفعاله فقط، بل في ذاته وصفاته وأفعاله جميعا.

فإن قال قائل كيف يكون الأكمل مقام الألوهية،
والأنبياء أكثر دعوتهم كانت بألفاظ: (ربي)، و(ربنا)، ونحو ذلك.

نقول: إن الأفضل لمن كانت حاله تطابق الأحوال التي حكاها القرآن عن الأنبياء،
الأفضل له أن يهتدي بهديهم،
فالتائب من المعصية يقول كما قال آدم ،
والذي يريد الولد يقول كما قال زكريا ، وعلى هذا فقس.

وكل طلب له أسباب معلومة لتحصيله، فالأفضل فيه أن نتوسل فيه بالربوبية فقط،
لأن أكثر الحاجات التي يطلبها السائلون لها أسباب يربي بها ربنا عباده،
فناسب أن نسأله أن ييسر لنا الأسباب لصلاح أحوالنا.

أما أدعية السنة فأكثرها بألفاظ الألوهية؛
لأن الرسول الكريم معلم لأمة كاملة ولأحوال كثيرة، فناسب أن يدعو بالأعم،
لأن الرسول الكريم معلم لأمة كاملة ولأحوال كثيرة، فناسب أن يدعو بالأعم،
فيشمل مقامات الألوهية والربوبية معا،
ويشمل كل الأحوال، وكل الناس.

أما هنا في قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}، فنحن نعظم العظيم،
ثم نسأل فنقول: اهدنا الصراط المستقيم نطلب الهداية نيتوسل بالألوهية والربوبية معا،

فالهداية إذا كانت هداية توفيق فهي من الله وحده، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم،
فناسب أن يدعو بالألوهية،
وإذا كانت هداية إرشاد فمن أسبابها اتباع الكتاب والسنة وأقوال العلماء الربانين وغير ذلك،
فناسب أن يدعو بالربوبيةمنقول