{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} سورة النساء الآية 59
قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: وقال علماء الشيعة الإمامية: إنَّ المراد بهم الأئمة الأثنا عشر المعصومون، لأنهم الذين ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأثر في ولايتهم، كما دلت آية التطهير على عصمتهم، بعد أن كانت الآية دليلاً على وجوب عصمة أولي الأمر لإطلاق الأمر بالطاعة، كما ألمحنا إليه آنفاً، وقد وردت أحاديث كثيرة مستفيضة في إرادة هذا المعنى من الآية.
أقول: ولكنه لو كان اكتفى بهذا المقدار من الكلام الذي ذكره لكان أمراً لا بأس به في الجملة، غير أنه قد أبتْ عليه نفسُهُ إلا أن يُبرِز ما في نفسه.
فقال: فلنقف من ذلك عند حدود العرض الذي عرضناه، مع الإشارة إلى بعض الملاحظات القصيرة.
1- إنَّ الأمر بالإطاعة لا يفرض دائماً عصمة الشخص المُطاع، بل ربما يكون وارداً في مجال التأكيد على حُجيَّة قوله، كما في الكثير من وسائل الإثبات التي أمرنا الله ورسوله بالعمل بها والسير عليها، في الوقت الذي لا نستطيع التأكيد بأنها تُثبِت الحقيقة بشكل مطلق، وكما في الكثير من الأحاديث التي دلت على الرجوع إلى الفقهاء الذين قد يخطئون وقد يصيبون في فهمهم للحكم الشرعي.
2- إنَّ من الممكن السير مع الأحاديث التي تنصُّ على أنَّ المراد مِن أولي الأمر الأئمة المعصومون، مع الالتزام بسعة المفهوم، وذلك على أساس الأسلوب الذي جرت عليه أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الإشارة إلى التطبيق بعنوان التفسير.
3- إنَّ هذا الاحتمال الذي يُؤكده إطلاق الآية، يجعلنا قادرين على التمسك بالآية في ما يُثار فيه الجدل كثيراً من أمر الولاية في حال غيبة الإمام في ولاية الفقيه، أو في ولاية أهل الشورى من المسلمين [من وحي القرآن ج7 ص324 – 325]
أقول: تركنا التعرض لجميع كلامه في المقام فإنه من جهة طويل جداً أولاً، ولا يسع المجال لتفصيل النقاط الذي ذكرها وتبيين وجوه الباطل المحض الذي تنطوى وتدل عليه ثانياً، وسنكتفي بإشارة سريعة في مقام بيان بعض وجوه الباطل.
فنقول: إنَّ من القبيح عقلاً أن يأمر المولى سبحانه بإطاعة فلان من الناس بنحو مطلق، إلا فيما إذا كان فلانٌ لا يأمر بمعصية ولا ينهى عن حلال، لا يأمر بمنكر ولا ينهى عن معروف.
وإذا لم يكن الشخصُ المطاع معصوماً، فإنَّ الأمر بإطاعته بنحو مطلق فيما إذا وقع في خلاف الواقع ـ لا سمح الله ـ ولو لأجل الجهل أو الغفلة أو النسيان، هو في الحقيقة أمر باتِّباع الباطل والانقياد إلى غير الحق، لأنَّ غيرَ المعصوم لا يخلو عن باطل قطعاً.
والأمر باتِّباع وإطاعةِ ولي الأمر فيما لا يكون معصوماً، إن كان مع إبقاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حالهما من العموم والشمول، فهذا يعني أنَّ وليَّ الأمر فيما إذا وقع بالباطل فسيكون من المكلَّفين ومن الرعيَّة ومن أتباعه الإنكارُ عليه والخروجُ بالتالي عن طاعته، وهذا ـ كما هو واضح لك ـ تفويتٌ للغرض الذي دعا المولى سبحانه إلى تنصيب وليِّ الأمر، وإلقاءٌ في مفاسد لا تكاد تخفى على عاقل، فضلاً عن استلزامه للهرج والمرج.
ثم نسأل: إذا ما ارتكب وليُّ الأمر ـ لا سمح الله ـ خلافَ الشرع أو أمر بالمنكر ولو جهلاً منه أو نسياناً أو غفلة، فنسأل مَن هو الذي سيتولَّى تقويمَه وردعَه ونهيَه وتعليمَه، والمفروض أنه هو الآمرُ والناهي، وهو المُطاعُ من الكلِّ في الكلِّ؟!
ثم نسأل ثانية: كيف يتأتَّى لنا أن نعلم بأنَّ ما يأمر به وليُّ الأمر هنا أو هناك مما يُوافق الحق، ولا يعرفُ الحقَّ إلا أهلُ الحقِّ صلوات الله ربي وسلامه عليهم أجمعين.
أَوَ ليس الناسُ وأهلُ الخبرة ومن أول الدهر مختلِفين فيما هو الحق، وفيما هو حقٌّ في كثير من المفردات والأمور الخارجية؟!
فهل يجب على مَن يعلم بأنَّ الأمر الكذائي ـ الذي أمر به وليُّ الأمر ـ باطلٌ ولا يرضى المولى سبحانه أن يقع بحال، فهل يجب أن يُطيع الوليَّ حتى في مثل هذه الموارد؟!
والخلاصة، إنَّ وليَّ الأمر إن كان معصوماً، فالأمرُ بطاعته والانقياد له بنحوٍ مطلقٍ وفي كلِّ شيء، أمرٌ موافِقٌ للعقل والشرع وعلى وفق القواعد المقررة.
وإن كان غيرَ معصوم، فالأمرُ بطاعته حتى فيما يكون مرتكِباً لأمرٍ غيرِ صحيح ولو لأجل الغفلة، أمرٌ بالباطل وهو مما يستحيل صدورُهُ من المولى سبحانه، فإنه تعالى حقٌّ محضٌ، ومَن هو الحقُّ لا يصدر منه باطلٌ بحال ببديهة العقل.
والأمرُ بطاعته في خصوص ما هو حق، يعني تخصيصَ الطاعة بموارد الحق المعلوم لكل أحد، وهذا خلاف ما تُفيدُهُ الآيةُ من أنَّ وليَّ الأمر مطاعٌ من الكل في الكل.
ثم إنَّ غير المعصومين قد حصل بينهم التفاوت من الأزل وهو حاصل أيضاً إلى الأبد، وكثير منهم مَن يرى نفسه الأفضل والأكفأ والأولى بالمنصب من غيره، وكثير من الناس مَن يُؤيِّدون فلاناً ويَرَوْن فيه الأهلية وأنه أفضل من غيره، وعليه فإنَّ من الطبيعي أن تعمد كلُّ طائفة إلى الرجوع إلى مَن يعتقدونه أنه الأجدر والأولى من غيره، فاحتاج الأمر إلى حلٍّ للنزاع الذي قد ينشأ وهو متحقِّقٌ.
ومَن بيده الحلُّ وكلمةُ الفصل هو المعصوم في عصر حضوره، وفي عصر الغيبة أُوكِلَ الأمر إلى فقهاء الأمة العدول في أمور معيَّنةٍ ليس إلا، وتلك الأمور وإن اختلف الفقهاءُ في تعيينها وتحديدها، إلا أنَّ هناك قدراً معلوماً متَّفَقاً عليه من الكل.
وطاعةُ نوَّاب الإمام (عليه السلام) لم يَدَّعِها أحدٌ في عرض طاعته (عليه السلام)، وإنما المُدَّعى أنَّ للفقهاء في عصر الغيبة الولايةَ على شؤون معينة، وإن وجب على غير المتصدي الانقياد للمتصدي فيما يحتمل موافقته للواقع، ولا نظنُّ بأحد من الفقهاء أن يلتزم بوجوب الانقياد من غير المتصدي للمتصدي في كل شيء، حتى فيما يقطع بمخالفته للواقع مع عدم احتمال الخطأ.
وكلُّ متأملٍ بالآية يستفيد بأدنى التفاتة، أنَّ طاعة ولي الأمر (عليه السلام) مطلقةٌ، تشمل الأمور الشخصية والموضوعات حتى الخاصة، وتشمل الأحكام مطلقاً حتى فيما يتعلق فيما بين الشخص وبين ربه.
فلو فرضنا أنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمرني بالتزويج من فلانة وبعدم التزويج من ثانية، فإنَّ المتعين الإطاعة له (صلى الله عليه وآله).
وبالجملة، فكل صغيرة أو كبيرة، وكل ما يتعلق بالمكلَّف بخصوصه أو بوصفه أحد أفراد الأمة، فإنه يجب عليه أن يُطيع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ووليَّ الأمر (عليه السلام) فيه، وعدمُ الإطاعة خروجٌ عن الدين وكفرٌ بالله العظيم.
وهذا المعنى هو ما تُفيده الآية بإطلاقها، وهو غيرُ ثابتٍ لغير المعصوم بإجماع الأمة.
فلو خُلِّينا نحن والآية المباركة، لكان إنكارُ ثبوت الطاعة لغير المعصوم أمراً بديهياً ضرورياً، فإنه ليس لأحدٍ على أيِّ أحد أيُّ نحو من أنحاء الولاية، بل الولاية لله تعالى وحده.
ورجعنا إلى القرآن الكريم، فوجدناه سبحانه قد أعطى ما هو ثابت لنفسه من الولاية، أعطاها وجعلها لرسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) ولولي الأمر (عليه السلام).
وبما أنَّ غيرَ المعصوم معرَّضٌ للباطل إن عمداً وإن خطأً أو عن جهلٍ، فكان لا محالة أنَّ ما هو ثابت بنصِّ الآية لولي الأمر من الطاعة الثابتة لله تعالى وللرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لا يمكن أن يشمل إلا مَن هو حقٌّ بحقٍّ حقاً، وهو المعصوم ليس إلا.
ولكننا لما أن رجعنا إلى السنة المباركة، رأينا أنَّ الرسولَ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ووليَّ الأمر (عليه السلام)، قد جعلا نحواً من أنحاء الطاعة لنائب الإمام (عليه السلام) وفي أمور معينة، ولا يمكن الالتزام بشمولها لكلِّ شيءٍ وفي كلِّ شيءٍ.
وإن شئت قلت: إنَّ نفس عدم التـزام أحد، بل وعدم إمكان التـزام أحد بثبوت ما هو ثابت لولي الأمر (عليه السلام) لنائبه في عصر الغيبة، يكفي دليلاً على أنَّ أولي الأمر في الآية لا يشمل غير المعصوم (عليه السلام).
والخلاصة: إنَّ ما هو ثابت لولي الأمر (عليه السلام) بنص الآية إطلاقاً وشمولاً، ليس ثابتاً لغير المعصوم بإجماع المسلمين، فلا يكون نائب الإمام (عليه السلام) ممَن يشمله الوصف في الآية بما له من خصوصية الإطاعة في كل شيء.
وأما قول المعاصر: «إن الأمر بالإطاعة لا يفرض دائماً عصمة الشخص المطاع»، فهو قول على خلاف ما تُفيده الآية، وهو خلاف ما يستفيده كلُّ أحد من الآية على ما أشرنا من ذي قبل إلى شأن إطلاقها وشمولها، وكلامنا في الآية وليس في ما ثبت من الأمر بإطاعة مثل الوالدين مثلاً.
وأما ما تحدَّث به السيد محمد حسين من أمر الطاعة للفقهاء الذين قد يخطئون ويصيبون، فهو حديثٌ عجيب، إذ ليته أشار إلى شخص التزم بإنه يجب طاعة مرجع التقليد.
فإنَّ ما يجب إطاعته إنما هو الحكم الذي توصَّل إليه المرجع بوصفه أعلم أهل الخبرة، وما زال الفقهاء يقولون بأنَّ الموضوعات الخارجية لا طاعة فيها، وإنما شأن تحديدها وتشخيصها بيد المكلف نفسه، فمَن يرى أنَّ السائل الذي بيده هو ماء فإنه يجوز له أن يشربه، وإن ادَّعى مرجع التقليد بأنه خمر.
وأما قوله: «من أن الآية تؤكد بإطلاقها احتمال كون المعصوم (عليه السلام) أحد أفراد أولياء الأمر، فلست أدري من أين جاء به!
فإنَّ الآية إنما جعلت الطاعة المطلقة الثابتة لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله) جعلتها لوليِّ الأمر، وهل هذا مما يُفيد عند أحد من العقلاء أنَّ المعصوم هو أحد الأفراد، والمفروض أنَّ أحداً لم يلتزم بثبوت الطاعة المطلقة لغير المعصوم (عليه السلام)؟!!
ثم إننا لو سلمنا مع السيد محمد حسين ما يدَّعيه، إلا أنه يبقى الالتزام به موقوفاً على ما تساعد عليه الأخبار الواردة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام).
وبعبارة أخرى: لو فرضنا أننا لم نستفد من الآية ما ذكرناه، وعمدنا إلى ادِّعاء إفادتها بأنَّ عنوان وليِّ الأمر مفهومٌ صادق على غير المعصوم، فإنَّ هذا الادِّعاء تتوقف صحتُهُ وإمكانُ الالتزام به على مساعدة ما ورد من نصوص عن أئمتنا (عليهم السلام).
فإن وجدنا بأنَّ ما ورد في تفسير الآية لا يمكن أن نلتزم معه بذلك، وحيث إننا نعتقد ونلتزم بوجوب الرجوع إلى أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، فإنه لن يكون منا إلا رَفْضُ كل ادِّعاءٍ كان على خلاف ما ثبت عنهم (عليهم السلام).
وقبل أن نشير إلى بعض من تلك النصوص المأثورة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، أرى أن أذكِّر القارئ بمراجعة تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، حيث قد استوفى البحث في الآية وفي الجواب عن شبهات الضالين بما لا مزيد عليه.
هذا والأحاديث الواردة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام) والتي مفادها أنهم (عليهم السلام) وحدهم هم أولو الأمر، قد بلغت من الكثرة بحيث لا مجال في هذه العجالة إلا إلى التيمُّن والتبرُّك بذكر بعض منها، وإننا على يقين بأنَّ السيد محمد حسين قد مرَّ على مسامعه الشيء الكثير منها، ولن نظنَّ به أنه لا يُميِّز بين العبارة التي تُفيد الاختصاص، وبين العبارة التي لا تفيد ذلك، فإنَّ قضيةَ التمييز في ذلك شأنٌ يعرفه كلُّ ذي لسان عربي.
فقد أخرج والد الصَّدوق في الإمامة والتبصرة، وولده في كمال الدين، بسند صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} قال: الأئمة من ولد عليٍّ وفاطمة (عليها السلام) إلى أن تقوم الساعة.
وأخرج الكليني في الكافي، بسند صحيح عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد الله (عليه السلام) قولنا في الأوصياء أنَّ طاعتهم مفترضة قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ}.
وفي الكافي بسند معتبر عن أبي جعفر (عليه السلام) (في حديث) ثم قال للناس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} إيانا عنى خاصةً، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا.
وأخرج الكليني بسند صحيح عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجل{أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} فقال: نزلت في عليِّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام)...... إلى أن قال (عليه السلام): ثم صارت من بعد الحسين (عليه السلام) لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، ثم صارت من بعد علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى محمد بن علي (عليهما السلام).
وفي الكافي بسند صحيح عن عيسى بن السري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): حدِّثني عما بُنِيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذتُ بها زكى عملي ولم يضرَّني جهلُ ما جهلتُ بعده، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الأموال من الزكاة، والولاية التي أمر الله عزَّ وجل بها ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: مَن مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، قال الله عزَّ وجل {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} فكان عليٌّ (عليه السلام)، ثم صار من بعده حسن (عليه السلام)، ثم من بعده حسين (عليه السلام)، ثم من بعده علي بن الحسين (عليهما السلام)، ثم من بعده محمد بن علي (عليهما السلام)، ثم هكذا يكون الأمر، إنَّ الأرضَ لا تصلح إلا بإمام، ومَن مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهليةً.
وأخرج الكليني في الكافي، والصَّدوق في معاني الأخبار، بإسنادهما عن سُليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (في حديث): وأدنى ما يكون به العبد ضالاً، أن لايعرف حُجَّةَ الله تبارك وتعالى وشاهدَه على عباده، الذي أمر الله عزَّ وجل بطاعتِهِ وفرضَ ولايتَه، قلتُ: يا أمير المؤمنين صفهم لي فقال: الذين قرنهم الله عزَّ وجل بنفسه ونبيه (صلى الله عليه وآله) فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ}.
وأخرج الكليني في الكافي بسند معتبر عن أبي مسروق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: إنَّا نُكلِّمُ الناس فنحتجُّ عليهم بقول الله عزَّ وجل {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} فيقولون: نزلت في أمراء السرايا، فنحتجُّ عليهم بقوله عزَّ وجل {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} سورة المائدة الآية 55 فيقولون: نزلت في المؤمنين، ونحتجُّ عليهم بقول الله عزَّ وجل {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}) سورة الشوري الآية 23... الحديث.
أقول: ومن الواضح جداً إفادة هذا الحديث، على أنَّ أصحابَ الأئمة (عليهم السلام) كان من المفروغ عندهم والثابت لديهم، بأنَّ الآيةَ التي نبحث فيها مختصةٌ بآل محمد (صلى الله عليه وآله).
وأخرج الصَّدوق في العلل، بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) (في حديث) وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون» يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن الله عزَّ وجل طاعتهم بطاعته فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} وهم المعصومون المطهَّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المُؤيَّدون الموفَّقون المسدَّدون، بهم يرزق اللهُ عبادَه، وبهم يَعمُر بلادَه، وبهم يُنزِل القطرَ من السماء، وبهم يُخرِج بركاتِ الأرض، وبهم يُمهِل أهلَ المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب.
وأخرج الصَّدوق في العيون والأمالي، بسند صحيح عن الرضا (عليه السلام) (في حديث) وكذلك في الطاعه قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} فبدأ بنفسه ثم برسوله (صلى الله عليه وآله) ثم بأهل بيته (عليهم السلام).