الضيـــاع اقصوصة اجتماعية . أشرقت الشمس في ذلك اليوم الجميل مصحوبة بزقزقة العصــافير الجميلة و مكملتها بسعادة الناس الذين خرجوا إلى أعمالهم ومدارسهم وما كان شيء يعكر جمال هذا الجو وصفائه سوى ذلك البيت الذي بدا مظهره من الخارج جميلاًُ ولكن كانت أســرته تعيش على عكس ما بدا مظهر البيت في الخارج من الجمال فتلك الأسرة المكونة من أب وأم وذلك الفتى الصغير الذي لم يتجاوز الثانية عشــر من عمره والذي كان ينتظر أن يفرغ والداه من خلافاتهما المعتادة في كل يوم
إلا إنه في هذا اليوم يبدوا أنه قد بلغ أشـــده فالصراخ بدا ظاهراً بشكل مرتفع ومحتــد مما أجبر الصغير ( أحمد ) أن ينطلق بكاؤه بشدة و تجاهل الوالدين بكاء الابن وازدادت حدة الصراخ ويبدوا أنهما هذا المنوال المعتاد الذي قد ألفوه منذ أن ارتبطا ببعض فالخلافات لم تتوقف طول هذه المدة وقلما يمر يوماً دون أن يكون فيه أي خلاف لــذا فقد قالها عبد الله … قال بالطلاق وظهر أن الأمر عادي ولم يحدث أي شيء فالأم حزمت أغراضها وغادرت المنزل مع طفلها الذي كان ينتظر أن يذهب إلى المدرسة فإذا به يذهب إلى بيت جده … ولم تطل الفترة فوالد أحمد ( عبد الله ) تزوج امرأة أخرى وكأنه ينتظر التخلص من زوجته الســـابقة … وكذلك الحال بالنسبة لأم أحمد التي ما إن فرغت من عدتها حتى تزوجت من إحدى أقاربها … وبدأ الصغير في الدخول في دوامة عميقة و بدأ التعب والشقاء فيوم عند الأب فيتلقى الضرب من زوجة أبيه حتى تجبره على عدم المكوث هنا … ومرة في بيت أمه ويكشــر أنياب زوج أمه له … ويتلقى الذل والهوان … ومرة عند جده الطيب الذي لم يدم له طويلاً فقد فارق الحياة … ويذهب عند عمه وعند عمته فيتلقى الضرب من ذاك والشتم من ذاك وكأنه بهيمة لا قيمة له … فهرب من عائلته انطلق لعله يجد من يهتم به لعله يجد من يوليه الرعاية التي فقدها … والحنان الذي حرمه أبواه منه … و تسكع في الشوارع وذبحــه الجوع حتى كاد يقطع نفسـه والظمأ قد بلغ أشده … وبدا العالم قاسياً أمامه … أجــبره ذلك على الوصول إلى الحرام عن طريق السرقة ونشل الحافظات وما لبث أن زاد نشاطه بعد انضمامه إلى عصـــابة كبيرة متخصصة في السطو والسرقات الكبيرة … وهكذا حتى تأقلم وأخذ يبرز في عمله ونشاطه حتى صـار من البارزين في تلك العصابة والمخطط والمدبر وهو لم يتجاوز السادسة عشــر من عمره لم يكن يشعر بالخجل من فعله لأنه لا يوجد من يوجهه ويرشده فلا أب ولا أم و لا عم ولا قريب كان الجد هو المنقذ لكنه ترك هذه الحياة … زادت شهرته بين العصابات حتى صار اسمه أشهر من نار على علـــم … بل تعدى ذلك طلبات خاصة من بعض العصابات بضمه إليهم … ولما كان من المعروف أن المجرم ما هم ضل فـي جريمته فإنه يجب أن يقع وفعلاً هذا ما حدث وقع في قبضة العدالة وهو يؤدي نشاطه المعهود في سرقة أحد المصـارف … وفي مركز الشرطة بدت الغرابة تسيطر على الضابط لم يكن يصدق أن هذا ابن السابع عشرة ربيعاً هو المجرم الكبير أحمـــد المعروف بذكــائه توقعوا أن يوقعوا برجل في الأربعين أو حتى في الثلاثين لكنه حتى لم يتم السادسة عشر … صدر بحقه قرارات التحويل إلى النيابة ومنها إلى المحكمة الشـرعية وصدر حكم القاضي بقطع يده امتثالاً لقوله تعـالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) . وفعلاً قطعت يده اليمنى أمام الملاْ وحبس بعدها فترة كان يتردد عليه في فترة سجنـه شيخ كبير طاعن في السن يضئ وجهه نوراً تقوى وورع وشعر أحمــد بالراحة الكبيرة لهذا الشيخ الفاضل وما أن انقضت فترة سجن عبد الله حتى خرج مع ذلك الشيخ إلى منزله و قد كان ذلك الشيخ يعيش لوحده فهو لم يتزوج ولم ينجب وعاش أحمد معه في راحة وسكينة وقريرة من العيش واستطاع أحمد أن يعود إلى دراستـــه ويكملها بجد ونشاط وقوة وتجاوز ما قد فاته ونجح باقتدار وحصل على الثانوية العامة و أصر على دخول جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وحبب الالتحاق بكلية الشريعة و أبلى بلاءاً حسناً فيها وحاز الشهادة العلمية بتفوق واقتدار وطلبه المعهد العالي للقضاء وما هي إلا سنتان حتى صـار أحمد من القضاة وما إن حصل عليها حتى فجع بفاجعة ألمت به مات الشيخ الفاضل مات الوالد والحاضن والمربي والمنقذ … شعر أحمد في هذه اللحظة أنه فقد والديه فقد كان ذلك الشيخ هو الأب والأم … رحمه اللــه … وبعد حصر تركته تبين أنه لا أقارب له وأنه وصى بكامل ماله لأحمـــد الذي وضح في وصيته أنه ابنه … بكى أحمد بكاءً مراً فذلك الشيخ خيره وفضله على أحمد في حياته وكذلك بعد مماته … تفرغ أحمد بعد ذلك في ممارسة عمله … وأحب أن يتمم تعليمه فحضر الماجيستير وحصل عليها و حضر رسالة الدكتوراة وحصل عليها بتقدير ممتاز وأصبح أحمد من أشهر مجرم في بلاده إلى اشهر داعية إسلامي في بلاده وزاره الضابط الذي كان قد ألقى القبض عليه أثناء جريمته وعبر عن سعادته بذلك التحول الجذري الخير … ظهر أحمد في ذلك اليوم في التلفاز في إحدى البرامج الدينية وتعرفه والداه منذ الوهلة الأولى أغرقتهما الدموع حينما بدأ أحمد في حكاية قصته في ذلك البرنامج منذ أن كان صغيراً حتى ما وصل إليه … بكى والداه بكاءً مراً و عرفا مدى الخطأ الذي وقعا فيه … فقد فكرا في نفسيهما و نسيا ذلك الولد الصغير الذي لولا لطف وتيسر ذلك الشيخ له لكان في حال لا يستطيع أي شخص ذكرها … وبذلك اشتهر أحمد في معظم أحاديثه وكلماته على تشديد الروابط الأسرية وخاصة فيما بين الزوجين لأنه بسعادتهما ونجاح حياتهما تنجح معه حيـــاة الأبنـــــــاء .