بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
التاريخ يعيد نفسه والأحداث تتكرر والطغاة يسيرون على ذات نهجهم في قمع إرادة الشعوب ونهب ثرواتهم وإستغلال الدين في تحريف الحقيقة وتزويرها يدعمهم بذلك وعاظ السلاطين الذين يعيشون على فتات موائد الحكام والقوي متجاهلين فرائض الله سبحانه وتعالى وما حملته الرسالة النبوية السمحاء على يد خاتم المرسلين وسيد الأنبياء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وما أوصى به حشود المسلمين والصحابة في غدير خم وغيرها من المناسبات المختلفة بالتمسك بحبل الله المتين والالتفاف حول القرآن والعترة الطاهرة، لكنهم نقضوها وهو لا يزال على فراش الموت ولم يدفن جسده الطاهر فكان انقلابهم الكبير على الشرعية والنبوة والامامة .
العالم الاسلامي ومنذ سقيفة "بني ساعدة" شهد حدوث انقلاب على الحق والحقيقة والرسالة السماوية أعتلى عبره أصحاب التزييف والتزوير سدة الحكم على حساب حقوق الآخرين واستمرار الظالم والجبروت وعودة البشرية الى الجاهلية بعد كل الجهد المرير للرسول الأمين (ص) لانقاذ مجتمع الجزيرة والعالم برمته من الظلمة والجهالة والوثنية وسطوة القوي على الضعيف نحو النور والعلم والعدالة والحرية وعبودية الواحد القهار؛ واستمر هذا النهج طيلة القرون الماضية خلال سلطة "بني أمية" و"بني العباس" ومن بعدهم أنصارهم وأعوانهم والسائرون على نهجهم حتى يومنا هذا حيث يسود الظلم والعنف والدمار البلاد الاسلامية.
وقد عانى أئمة الهدى من أهل بيت النبوة الامامة عليهم السلام الذين إجتباهم الله سبحانه وتعالى لهداية الناس؛ ما عانوا لتوحيد صفوف الأمة ومقارعة التحريف والتزييف والتزوير على يد الطغمة الحاكمة فكان مآلها القتل والتهجير ودس السم وتكفير أتباعهم وأنصارهم وشيعتهم وإستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ومقدساتهم وهو ما نشهد اليوم في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وغيرها من البلاد العربية والاسلامية مثل اندونيسيا وافغانستان وباكستان وتركيا، تماشياً مع النهج الوهابي السلفي التكفيري القائم على المدرسة الأموية الدموية الاجرامية التي لا تستثني أحداً من المسلمين وغيرهم ممن يقف أمام مآربهم الخبيثة والنفاقية والوحشية .
فعمل الأئمة الهداة عليهم السلام طيلة حياتهم وبكل ما بوسعهم في مقارعة الأفكار الانحرافية الأموية والعباسية ودعوا الناس الى التوحيد والعدل والمساواة ونشروا بينهم العدل والعلم والمعرفة وأرسوا (ع) أسس الانتظار لمجيء الموعود المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً وهو ما بشرت به جميع الأديان السماوية بما فيها دين الاسلام الحنيف بظهور المنقذ والمصلح الكبير في آخر الزمان ونهاية التاريخ الانساني المظلم والعسير، كما بشر بذلك خاتم رسل الله ونبي رحمته الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم "المهدي من وُلدي، يكون له غيبة، وحيرة تضل فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً"، وهي حركة الهية تكاملية تصل في نهايتها الى المجتمع الكامل الرفيع الذي بشر به جميع الأنبياء والرسل (ع) والصالحون.
وجاءت هذه الفكرة والبشارة من عهد لعهد ومن نبي لنبي ومن مرسل لمرسل ومن زمان لزمان ومن دين لدين تأكيداً للحقيقة القرآنية على وراثة الصالحين والمستضعفين في الأرض:"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" – الانبياء 105، وكذلك " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" - النور 55، حيث اكد الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في معنى قوله عز وجل انها جاءت في الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (النعماني/240، والمحجة/148، والبحار:51/58، والاحتجاج:1/256).
الامام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام والذي نعيش اليوم الثامن من ربيع الأول ذكرى استشهاده الأليم (سنة 260 للهجرة) هو الاخر كسائر آبائه وأجداده فقد قارع تحريف وتزوير وتزييف الطغاة وذلك على عهد بني العباس وهم "المعتز"، و"المهتدي" و"المعتمد" رغم قلة فترة إمامته التي استمرت لخمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام قبل أن يفتك "المعتمد" به (ع) بدس السم اليه؛ إنفرد عليه السلام دون غيره من الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم السلام أجمعين في حمله لعبء قيادة المسلمين وإعداد الأمة لعصر الغيبة وامامة الامام المهدي الموعود عليه السلام في وقت قصير جداً وظروف بالغة الخطورة والقمع الدموي الذي ينتهجه الحكام الطغاة آنذاك.
ويعد الانتظار الصادق والمخلص من أهم العبادات وأزكاها كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل" ، كما أكد ذلك أمير المؤمنين ويعسوب الدين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام قائلاً: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحبّ الأعمال الى الله عز وجل انتظار الفرج" وكذلك "المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله".