وأعني بدور الزوجة دورها تجاه زوجها ليكون عالمًا؛ فبيت المرأة بصفة عامة هو مملكتها، وهو منطلقها الحيوي والحقيقي نحو أي إصلاح أو تغيير، وذلك يكون عن طريق أولادها وقبل ذلك عن طريق زوجها.

دور الزوجة مع زوجها
وفي هذا الصدد بإمكان الزوجة أن تُهيئ للزوج الجو العلمي المناسب ليُبدِع وينتج في مجاله وعلمه وصناعته. وبإمكانها أن تُحمِّسه على التقدم والإبداع والاختراع، فتوفر له الجو النفسي الذي يناسب ذلك.. وبإمكانها أن تخفف عنه مطالب الحياة؛ فلا ترهقه بالمتطلَّبات غير الضرورية في المعيشة والحياة؛ لأجل توفير نفقات العلم.

وبإمكان الزوجة أن يكون من ضمن طلباتها قبل الزواج مكتبة قيمة، تشترك فيها مع زوجها، ويتعاونان على إعدادها معًا لبيت الزوجية الجديد، ولست أعني بالمكتبة "القيمة" ارتفاع ثمنها أو فخامة شكلها، وإنما أعني تنوع مصادرها، وغزارة محتوياتها. ولو كانت كتبها ذات طباعة غير فاخرة، أو كانت على أرفف بسيطة زهيدة الثمن، ولا شك أن الأطفال سيستفيدون استفادة جمَّة من وجود هذه المكتبة.

وحقيقة فإن نبوغ الزوج وتفوقه غالبًا ما يكون لأن وراءه زوجة تدفعه إلى ذلك وتعينه عليه، وفي المثل المتداول: "وراء كل رجل عظيم امرأة"، ولا نغالي هنا إذا قلنا: "وراء كل رجل عظيم امرأة أعظم"!!

ولا ضير إذا ما كان دور الزوجة هنا ظاهرًا أو غير ظاهر؛ ولا ضير إذا ما كانت الزوجة تقوم بدور الجندي المجهول أو غيره؛ فالبديهي أن تفوق الزوج ونجاحه في عمله ونبوغه في علمه ما هو إلا دليل على عِظَم الزوجة وتفوقها، وهو يعكس نجاحها هي، بل وصلاحها، تلك التي هيأت له من الوسائل والأسباب التي ذكرناها أولاً ما جعله يصل إلى ما وصل إليه.

فالزوجة الصالحة، والتي تبغي نفع الأمة والعمل على نهضتها، هي تلك التي تدفع زوجها دائمًا إلى الأمام لتحقيق النجاح، والوصول إلى الهدف المنشود. ورحم الله تلك التي كانت تنادي على زوجها في الصباح تقول له: اتَّق الله فينا، ولا تطعمنا إلاّ حلالاً؛ فإننا نصبر على الجوع في الدنيا، ولا نصبر على النار في الآخرة!!

زوجة الحافظ الهيثمي
وفي تجسيد دور الزوجة في ذلك المجال، فليس أقل من دور زوجة الحافظ الهيثمي (وهي بنت شيخه الحافظ العراقي)؛ إذ ثبت أنها كانت تساعد زوجها في مراجعة كتب الحديث [1].

الخيزران زوجة المهدي
وفي دور غيرها، فقد أجمع المؤرخون على أن جميع الأعمال الطيبة، والأفعال الحسنة التي قام بها الخليفة المهدي، فأكسبته الشهرة الفائقة، إنما كانت بتأثير زوجته "الخيزران" [2]!!

ابنة سعيد بن المسيب تعلم زوجها
وغير هذه وتلك فإن ابنة سعيد بن المسيب دخل بها زوجها، وكان من أحد طلبة والدها، فلما أن أصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج، فقالت له زوجته: إلى أين تريد؟ فقال: إلى مجلس سعيد أتعلَّم العلم، فقالت له: اجلسْ أعلِّمْك علم سعيد [3]!!

فهي لم تعِنه وتساعده فقط على تعلُّم العلم، وإنما تقوم بدور المعلِّم كذلك!! ولذلك لم يكن غريبًا أن يقول زوجها عبد الله بن أبي وداعة بعد أن دخل بها:

".. فإذا هي أجمل الناس، وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنَّة الرسول، وأعرفهم بحق الزوج، وإن كانت المعضلة وهجز الفقهاء عنها فأجدها عندها فأسألها علمها" [4]!!

والمرأة بدورها في ذلك كله -كأمٍّ وكزوجة- تُشاطِر الرجال تمامًا بتمام في سبيل تنشئة العلماء والعمل على رفعة هذه الأمة، إن لم يكن لها فضل السبق عليهم والأجر عنهم.

[1] عبد الله بن محمد بن الصديق الحسني: تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة، مكتبة القاهرة – مصر ص 39.
[2] انظر محمد كمال الدين الأدهمي: مرآة النساء فيما حسُن منهن وساء، مكتبة التراث الإسلامي - القاهرة ص 86، وهي أم الهادي وهارون الرشيد، ملكة حازمة متفقهة، أخذت الفقه عن الإمام الأوزاعي. انظر الأعلام 2/ 328.
[3] أبو عبد الله محمد بن محمد العبدري بن الحاج: المدخل، دار الفكر – بيروت، الطبعة الثانية، 1397هـ - 1977م، 1/215.
[4] انظر إحياء علوم الدين 3/ 104.

د. راغب السرجاني