دعوة للتفاؤل بعد عام من الكآبة.. الأمل أفضل دواء لمعالجة الآثار الضارة للأحداث السياسية المحبطة
لقد صمدنا واستطعنا النجاة بعد سنة من المعاناة في مكان أشبه بالجحيم. وقد عانت الإنسانية طيلة هذه السنة وتمكنت من الخروج من الأزمة التي كانت تتخبط فيها نتيجة لتعاقب الخيبات بين خطوات إدارة أوباما المتعثرة، وترامب الذي لم يتوانَ عن السخرية منها.
ناهيك عن استفحال العنصرية وجرائم الكراهية كالفيروس في صفوف المجتمعات الغربية. وفي خضم هذه الفوضى، تركنا قادة العالم لنغرق وحدنا ونُسقط مجتمعاً تلو الآخر.
كانت الكآبة تطغى على أي مكان كنت أنتقل إليه لكن كما أؤكّد كما فعل العجوز آروين، في فيلم "سيد الخواتم"، على وجود بصيص أمل مهما كان الظلام حالكا. كان ينبغي عليّ أن أعرف أنه لا مكان لليأس مهما توالت الخيبات والمشاكل لأن الأمل سيظل دائماً موجوداً.
إن الأمل لا يكون في شكل مفرد بل يكون دائماً في صيغة الجمع. وبينما تتضاءل آمالي في قادة العالم، الذين يزعمون نشر السلام، يوماً بعد يوم، فإن الأمل الذي يمدني به الناس من حولي من الذين ألتقي بهم في حياتي اليومية هو عزائي الوحيد الذي يبقيني قوية.
أبطال غرباء
لقد زرت مؤخراً مكاناً صغيراً في لندن يدعى حديقة بوستمان، التي تقع بالقرب من كاتدرائية القديس بولس، حيث تضم هذه الحديقة هيكلاً خشبياً بسيط الهندسة عُلّقت على أحد جدرانه جملة من صور الناس الذين عُرفوا بإحسانهم، والذين خاطروا بحياتهم لمساعدة الآخرين. لقد كان أغلبهم أشخاصاً عاديين، وفي الكثير من الأحيان غرباء.
وفي الواقع، علقت على ذلك الجدار صور العديد من الأشخاص من بينهم ابنة أحد العمال، أليس آيرز، التي ماتت عندما كانت تحاول إنقاذ ثلاثة أطفال وإخراجهم من منزلهم المحترق. كما كان على الحائط صورة الطفل ديفيد سيلفز ذي الإثني عشر ربيعاً، الذي غرق عندما كان يحاول مساعدة طفل آخر، ويداهما متشابكتان كأنهما يواسيان بعضهما بعضاً.
وتجدر الإشارة إلى أنه كان بين تلك الصور، صورة لدانيال بيمبيرتون، الذي كان يبلغ 61 سنة، والذي دفع صديقه من أمام القطار لينقذ حياته ليلقى هو للأسف مصرعه.
ورغم أن هذه النصب التذكارية قد مر عليها قرن من الزمن، فإن أولئك الأشخاص الاستثنائيين لن يُمحوا من الذاكرة كما يجب علينا ألا ننسى أننا نقابل يومياً أبطالاً كهؤلاء.
أعلم أنه ليس من السهل إيجاد أبطال كهؤلاء، إذ أعرف أشخاصاً من المستحيل أن يتنازلوا عن مقعدهم على متن القطار لصالح شخص ما، فما بالك التضحية بأرواحهم في سبيل الآخرين. لكن على خلاف هؤلاء، هناك أشخاص مستعدون لتقديم أي نوع من التضحية، لكن جلّ ما نحتاجه ليس الوصول إلى ذلك المستوى من التضحيات بل نحتاج إلى رابط قوي يجمع بيننا ويجعلنا نكترث لأمر غيرنا.
في الحقيقة، هناك الآلاف من الأشخاص حولنا، مثلي ومثلكم، مستعدون لمدّ يد العون لأي شخص يحتاجها حتى لو لم يقابله من قبل.
لا تكترث للرسائل السلبية
إن هذا النوع من الأشخاص المستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل الآخرين لا يكترثون للرسائل السلبية التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي. كما أنهم أشخاص مفعمون بالأمل، كالشاب الذي أعرب عن تضامنه مع شابة كان أحدهم يصرخ في وجهها لأنها أجنبية، أو كالفتاة التي تركت زملاءها أثناء استراحة الغداء لتقضي ذلك الوقت مع امرأة عجوز كانت تتناول الطعام بمفردها. وهم أيضاً شبيهون بالثنائي اللذين أتيا لنجدتي عندما علقت عجلة سيارتي في إحدى الحفر، وساعداني على إخراجها ثم اختفيا وسط عتمة الليل كأنهما ملاكين. وبعد كل تلك اللحظات، يمكنني دعوة هؤلاء الأشخاص العظماء بأعمالهم الخيرية، مهما كانت بسيطة، بمنقذي الحياة بامتياز.
ورغم أن عام 2016 كان عاماً محموماً بالمشاكل والأزمات الإنسانية، فإنني أوقن بوجود أشخاص رائعين لأنني أومن بوجود الخير في النفس البشرية. ووراء كل قصة مريعة نسمع عنها، هناك المئات من القصص النبيلة التي لا يرويها أحد. وعند كل هجمة تشن ضد شخص ما من قِبل شخص آخر، هناك المئات من الأشخاص على أهبة الاستعداد لإنقاذ الضحية وحمايتها.
إن هذا الاعتقاد الراسخ في طيبة النوع البشري يمنحني الأمل والتفاؤل ليكونا بمثابة الترياق الذي سيشفيني من القنوط الذي يعتريني. كما سأمضي قدُماً بفضل الإحسان الذي رأيته من الآخرين، بالإضافة إلى الأمل في غدٍ أفضل.
ففي الحقيقة لا أظن أن السنوات القادمة ستكون أسوأ من سنة 2016، فكل ما عليّ فعله الآن هو نسيان هذه السنة وتمني تحقق الأفضل في السنة المقبلة.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا..