أقول لنفسي في كل صباح إن السقوط أول مراحل الصعود؛ لأنه لا يسقط إلا من يرتفع، ولا يتعثر إلا من يستمر في المسير. ما أتعس الواقفين في أماكنهم؛ لا يدركون جمال المنظر من الأعلى، ولا يستنشقون أوكسجين الحياة المبعثر على جانبي الطريق. الواقف في مكانه ميت مع وقف التنفيذ.
عندما أستيقظ في الصباح ويتسلل الخوف إليّ، أوقن بأنني أفعل شيئاً مهماً؛ لأنه لا يخاف إلا المغامرون، أما الذين يقبعون في بيوتهم فليس لديهم شيء يستحق الخوف، أو يستحق الحياة. لا تكمن الشجاعة في غياب الخوف، ولكنها في القدرة على تحويله إلى رغبة جامحة في الانتصار.
عندما أفشل في الصباح أشعر بأنني مُلْزَم بالمحاولة مرة أخرى؛ فالفشل ليس إلا إحدى محطات النجاح؛ إذا كنا نسير على الطريق الصحيح. الفشل خيوط سوداء، والنجاح خيوط بيضاء، إذا اجتمعت صارت ثوباً جميلاً، أو وشاحاً نتباهى بلبسه أمام الناس. إن كل ساعة سعادة تعادل سنوات من الحزن والأسى. ومع كل كسر تأتي فُرَص للرّتْق، ومع كل نهاية تنبتُ رغبة في أعماقنا ببداية جديد، تماماً كتلك التي نشعر بها عند انتهائنا من البكاء. اقرأ التاريخ لتصدّق هذه الحقيقة.
إذا كان الصباح بداية جديدة فلماذا نخشى النهايات؟ وهل النهاية إلا بداية أخرى؟ إلا أنها لا تمنح إلا لمن يستحقها، أو من يحلم بها! لا يمكنك أن تخطط للبداية؛ فهي تأتي رغماً عنك، وأحياناً تهطل في حياتك فجأة، كالأمطار الموسمية.
عندها تكون أمام خيارين: إما أن تهرب منه وترضخ لحُكْمه؛ فتختبئ تحت مظلة أحد المَحالّ مع الآخرين، وتكتفي بمشاهدة المارة الذين شغلتهم أحلامهم عن الانشغال بالبلل. أو أن تتصالح معه (أي المطر)، وتستمتع بزخاته وهي تغسل روحك مع جسدك. إن من يخشون البدايات لن يستمتعوا بالفرحة الغامرة التي تسكبها الحياة على من يجتازون خط النهاية.
في كل صباح أقرر ألا أخطط لذلك اليوم. اسأل نفسك الآن: منذ أن بدأتَ تخطط لحياتك، كم مرة جرت الأمور كما خططتَ لها؟ إن من يؤمن بالخطط كثيراً لا يؤمن بحتمية التاريخ التي قال في سياقها الفيلسوف الألماني هيغل «إن التاريخ عملية طويلة مقدرة بقدر، يأخذ فيها كل طرف مكانه ومبرراته».
حيث يعتقد هيغل بأن لكل عصر روح هي التي تسيطر على الأفراد، وتستعملهم لمصلحتها الخاصة؛ من أجل تحقيق إنجازات حتمية لا بد أن تظهر في زمانها، رغماً عن الإرادات الفردية لأبطال التاريخ الذين يعيشون تلك المرحلة الزمنية. ثم يختم هيغل كلامه بقوله: «وما إن ينتهي دور تلك الشخصيات وكفاحها من أجل تحقيق الغايات الكونية لروح العصر، حتى تختفي من مسرح التاريخ دون أن تحقق سعادتها الخاصة». سعادتنا الخاصة هي الفرحة التي تأتينا دون شروط.
في كل صباح أقرر أن أرتجل يومي قدر المستطاع، فلا شيء أجمل من المرء عندما يكون على سجيّته، نقياً من كل تصنُّع، مجرداً من كل مساحيق التجميل، متجرداً من كل الأقنعة والأزياء التنكرية. ارتجال الحياة هو الخط الفاصل بين الحرية والعبودية، وهو القمة التي نطل من فوقها على حقول المشاعر الإنسانية الصادقة، تلك التي نبتت بفعل أمطار المحبة والبساطة، ولم يكن للمدنيّة فضل رَيّها و«تهذيبها».
كل صباح أعاهد نفسي ألا أغضب، أو أحكم على الناس، أو أتدخل في شؤونهم. فالغضب جيفة الأخلاق، وهو الهاوية السحيقة التي تطوي في عتمتها كل ما تعلمناه عن المحبة والتسامح. أما الحكم على الناس فإنه رغبة أحدنا في الانتقام من نفسه؛ من خلال إلصاق علّاته وهفواته وعيوبه بالآخرين. الحكم على الناس يعني أنك إما أن تكون أكثر علماً وفهماً وحكمة وإيماناً وطُهراً وبراءة وأمانة وصدقاً منهم، أو أن تكون ضعيفاً وجاهلاً لدرجة أنك تعتقد بأن اغتيابهم سيجعلهم أقل منك. ولا أتدخل في شؤون الناس حتى لا أفرح بمصابهم فأخسر إنسانيتي واحترامي لنفسي، وحتى لا أغار من نجاحهم فأنشغل بهم عن تطوير نفسي.
في كل صباح أعاهد نفسي أن أفرح وقت الفرح، وأن أحزن وقت الحزن، وألا أُقحم العاطفة في العقل، وألا أنزع العقل من العاطفة. أن أطلق لنفسي العنان لتكون جزءاً أصيلاً من هذا الكون الشاسع، تهيم في فَلَك الإيمان، تنسجم مع نواميس الوجود دون حدود، تُصّدِق، تُخدَع، تنكشف لتسعى، وتكتشف؛ أن كل ما نقوم به في هذه الحياة ما هو إلا محاولات عظيمة الأمل، كثيرة الوَجَل (الخوف)، لنجعل كل صباح أجمل من كل صباح.