نور القرآن


أمّا أنّ القرآن‌ نور ، فلانّ آياته‌ جاءت‌ من‌ عالم‌ النور ، ولم‌ تقصر أو تعجز أبداً عن‌ تشخيص‌ أمراض‌ البشر وطريقة‌ علاجها الناجع‌ ، فكلّ ما يقوله‌ يُبيّنه‌ لتكامل‌ أفراد البشر إنّما هو محض‌ العلم‌ والبصيرة‌ والوصول‌ إلغŒ‌ النتيجة‌ والهدف‌ ، لا الجهل‌ والشقاء والوصول‌ الاحتمإلغŒ‌ّ .

يُقال‌ النور في‌ اللغة‌ للشي‌ء الظاهر في‌ نفسه‌ والمظهر لغيره‌، فالشمس‌ مثلاً نور ، لأنّها ظاهرة‌ بنفسها ومظهرة‌ للاشياء بإشراقها وضيائها ، وهي‌ لا تحتاج‌ إلغŒ‌ مُظهر تكتسب‌ من‌ خلال‌ إنارته‌ قابليّة‌ الظهور والتجلّي‌ ، فهي‌ مضيئة‌ مشـرقة‌ بنفسـها ، ولها نور وإشـراق‌ لا ينفك‌ عنها تُضـي‌ء به‌ الموجودات‌ الواقعة‌ في‌ معرض‌ إشعاعه‌ .

بَيدَ أنّ غير الشمس‌ ، كالقمر والنجوم‌ ، والارض‌ وماأقلّت‌ ، من‌ صحاري‌ وجبالٍ ومحيطاتٍ بمحتوياتها ، مظلمٌ داكن‌ ، لو تصرّمت‌ علغŒها ملايين‌ السنين‌ ولم‌ يصلها نور الشمس‌ فستبقي‌ غارقةً في‌ الظلام‌ الدامس‌ المحض‌ بلا ظهور ولا تجلٍّ .

وبإشعاع‌ النور يري‌ الإنسان‌ الاشياء ، لا يخفي‌ علغŒه‌ منها شي‌ء ، لكنّه‌ يري‌ النور نفسه‌ بلا حاجة‌ إلغŒ‌ مُظهر له‌ أو دليل‌ علغŒه‌ ، إذ النور نفسه‌ مُظهر لنفسه‌ دليل‌ علغŒها ، علغŒ‌ العكس‌ من‌ الظُّلمة‌ التي‌ ذاتها عبارة‌ عن‌ الإبهام‌ والجهل‌ ، علاوة‌ علغŒ‌ منعها رؤيةَ الموجودات‌ الماثلة‌ فيها القابعة‌ تحت‌ أُفقها .

القرآن‌ نور، إذ هو دليل‌ علغŒ‌ نفسه‌ معرّف‌ لها ، فلا كتاب‌ أو قائل‌ غير القرآن‌ يمكنه‌ تعريفه‌ وتبيينه‌ كما يليق‌ به‌ وكما هو واقعه‌ وحقيقته‌ ، لانّ جميع‌ الكتب‌ والقائلين‌ إنّما يعرّفونه‌ وفق‌ أُفق‌ فكرهم‌ ومستوي‌ إدراكهم‌ الذي‌ يتضاءل‌ ويقصر حين‌ يُقاس‌ بعلوم‌ القرآن‌ وفكره‌ ، اللهمّ إذا وصلوا إلغŒ‌ مقام‌ الطهارة‌ المطلقة‌ ونظروا إلغŒه‌ من‌ نافذة‌ القرآن‌ ومن‌ منبع‌ نزوله‌ ، إذ لاَ يَمَسُّهُ و´ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ، [16] وهو مقام‌ يختصّ بأولياء الله‌ المقرّبين‌ ، أمّا غيرهم‌ من‌ العالم‌ أجمع‌ فإنّ علومهم‌ تعدّ مقابل‌ القرآن‌ محدودة‌ قاصرة‌ مقرونة‌ بالإبهام‌ والجهل‌ .

وعلغŒ‌ هذا ، فإنّ أي‌ّ إبهام‌ يرد بخصوصه‌ ينبغي‌ اللجوء في‌ رفعه‌ إلغŒ‌ القرآن‌ نفسه‌ والاستنارة‌ بنوره‌ وضيائه‌ ، فهو كتاب‌ واضح‌ وموضّح‌ ، وكتاب‌ نور وإشعاع‌ ، وكتاب‌ ظهور وإظهار ، كما أنّ لدينا الكثير من‌ الاخبار أن‌ إذا عُرض‌ علغŒكم‌ حديث‌ منّا فلم‌ تتبيّنوا صحّته‌ من‌ سقمه‌ فاعرضوه‌ علغŒ‌ كتاب‌ الله‌ ، فما وافق‌ كتاب‌ الله‌ فخذوه‌ ، وما خالف‌ كتاب‌ الله‌ فدعوه‌ .

والآن‌ وبعد أن‌ تبيّن‌ معني‌ ومفهوم‌ النور ، وحقيقة‌ أنّ القرآن‌ نور ، فنذكر الآيات‌ التي‌ وردت‌ في‌ القرآن‌ وعبّرت‌ عنه‌ بالنور ، كآية‌ : فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ مَعَهُ و´ أُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . [17]

وهذه‌ الفقرة‌ تتمّة‌ آية‌ مطلعُها : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاْمِّيَّ الَّذِي‌ يَجِدُونَهُ و مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي‌ التَّوْرَب'ةِ وَالإنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَـ'هُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبـ'تِ وَيُحَرِّمُ عَلَغŒْهِمُ الْخَبَـ'´نءِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاْغْلَـ'لَ الَّتِي‌ كَانَتْ عَلَغŒْهِمْ .

فإنّ المراد من‌ النُّور الَّذِي‌ أُنزِلَ مَعَهُ ؛ أي‌ مع‌ رسول‌ الله‌ ؛ هو القرآن‌ الكريم‌ .

وكالآية‌ المباركة‌ : فَـَامِنُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي‌´ أَنزَلْنَا وَاللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . [18]

والآية‌ المباركة‌ : قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَـ'نٌ مِن‌ رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إلَغŒكُمْ نُورًا مُّبِينًا . [19]

وبالطبع‌ فإنّ النور الذي‌ هو حقيقة‌ القرآن‌ مطلق‌ عامّ وشامل‌ ينطوي‌ علغŒ‌ كلّ نور ، لذا فقد جاء بألف‌ ولام‌ الجنس‌ في‌ بعض‌ الآيات‌ : وَالنُّورِ الَّذِي‌´ أَنزَلْنَا ؛ وَاتَّبِعُوا النُّورَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ مَعَهُ ، أمّا في‌ التوراة‌ والإنجيل‌ ، فرغم‌ كونها من‌ الكتب‌ السماويّة‌ أيضاً ؛ فقد عبّر عن‌ نورها بلفظ‌ النكرة‌ ، فقد قال‌ في‌ الآية‌ 44 ، من‌ السورة‌ 5 : المائدة‌ : إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَب'ةَ فِيهَا هُدَيً وَنُورٌ ، وقال‌ في‌ الآية‌ 46 من‌ نفس‌ السورة‌ : وَقَفَّيْنَا عَلَغŒ‌'´ ءَاثَـ'رِهِمْ بِعِيَسي‌' ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَب'ةِ وَءَاتَيْنَـ'هُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدَيً وَنُورٌ .


المصدر:
کتاب نور ملكوت القرآن / المجلد الاول /
سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس سره