يعد سوق الانتيكات في منطقة (الميدان) من ابرز المعالم التاريخية القديمة في بغداد، حيث تجتمع فيه شرائح اجتماعية وثقافية من مختلف الاعمار لاقتناء ما يعجبهم، لاحتوائه على كل ماهو نادر وثمين من الانتيكات القديمة والتحف الاثرية والمصوغات الثمينة التي يعود تاريخها الى اكثر من مئة عام، فهناك أنواع شهيرة من التحف كالفضيات الأوروبية (التيكان) التي ختم عليها اسم صاغتها ابرزهم (فايرجه) وهو من عائلة معروفة في روسيا وكذلك العثمانية المصنوعة من قبل الصابئة واليهود، اما البورسلين فافضلها (السيفرز) الفرنسي و(اللاجود) الانكليزي كذلك (الهرند) الهنكاري، اضافة الى صور ومقتنيات الملوك والرؤساء الذين تعاقبوا على حكم العراق عبر العصور وابرزهم الملك فيصل الاول وفيصل الثاني وعبد الكريم قاسم.
ناصر عبد الكاظم بركاتي صاحب محل في سوق (المدلل) تحدث لنا عن حكايته قائلا:
كانت بدايتي في الخمسينيات عندما كنت صغيرا لاجمع التحفيات بحكم الوضع المادي الجيد لعائلتي، حيث كان والدي من الموظفين الاوائل في القصر الملكي واخوتي رسامين ونحاتين، فقد عشت في منزل تملؤه الاخشاب والتحف الملكية النادرة والمقتنيات الفضية الجميلة، وكان اول شيء اقتنيته ( مزهرية يابانية صغيرة من البورسلين) رقيقة الجدران كقشر البيض وقد اشتريتها بدرهم، كما ان والدتي كانت تحب الاحتفاظ بالاواني الفخارية بشكل كبير خصوصا الاواني الملكية ما شجعني على ان انمي عشق هذه الهواية.
ففي مرحلة شبابي، قمت بفتح محل سنة 1975 في بناية متحف الازياء الذي كان مكان جسر السنك وكان الاقبال كبيرا من الراغبين لاقتناء الانتيكات والتحف، اذ كنت اول من روج للانتيكات الملكية من العملة الورقية والمعدنية في العراق، والتي تعد اشهر واغلى عملة في العالم حتى الان، اضافة الى الازياء الشعبية القديمة والصور الفوتوغرافية النادرة للشخصيات التراثية والازقة البغدادية وغيرها.
ويتابع البركاتي مضيفا، عند بدء مشروع بناء جسر السنك فتحت محلي مقابل خان مرجان ثم فتحت محلا آخر في شارع السعدون خلف نادي العلوية، وبعدها انتقلت الى محلي الحالي في ساحة الميدان كون هذه المنطقة تعد مركزا لبيع التحف والانتيكات، فلا زلت احتفض بعقال وعصا التبختر للملك فيصل الثاني وقميص للزعيم عبد الكريم قاسم ولوحات وصور لكبار الفنانين العراقيين، اضافة الى عرش الامبراطور الصيني وتحف صينية ومصرية نادرة.
واشار بركاتي الى ان العراق يعد من افضل الدول للانتيكات والتراثيات لمكانته الحضارية، اضافة الى الصين والهند وايران وتركيا ومصر وسوريا، حيث كانت حركة البيع والشراء تشهد رواجا لكثرة وجود السياح الاجانب والعرب والمتذوقين من العراقيين، لكن بعد سنوات التغيير اصبحت المهنة تعاني كسادا بسبب سوء الظروف الامنية المعروفة، فاصبح الاقبال قليلا جدا بسبب رحيل الاثرياء العراقيين المتذوقين لهذه المهنة وعدم قدوم السائحين الاجانب الى بغداد، ومع هذا نجد حراكا هذه الايام في عملية البيع والشراء الا انها لاتقاس بسنوات السبعينيات والثمانينيات حيث شهدت سوق الانتيكات عصرا ذهبيا، مؤكدا ان رواد وهواة السوق ياتون اغلبهم من داخل بغداد والمحافظات الجنوبية والشمالية.
اما عصام العاني وهو صاحب محل للانتيكات قال:
بدأت هوايتي قبل 25 سنة، حيث كنت اتردد على سوق (الهرج) لاتحول بعدها الى تاجر فاتحا محلا جمعت فيه كل ماهو نادر من الفوانيس والراديوات والساعات القديمة، مشيرا الى امتلاكه راديو نادر جدا يعمل على النفخ وساعات تعود لعام 1870 وكاميرات صنعت سنة 1903 انكليزية المنشأ واخرى فرنسية 1920، مؤكدا عشقه لهذه المهنة كون روادها من طبقة المثقفين والمختصين بالتراثيات والانتيكات القديمة، فيما لفت الى معاناتهم الحالية في جمع التحفيات والانتيكات واعتمادهم بشكل خاص على المنازل البغدادية القديمة.
وتابع العاني حديثه قائلا:ان المبيعات الحالية قليلة جدا بالنسبة للفترات السابقة بسبب الوضع الامني السيئ واعتمادنا اكثر بالبيع على بعض زبائننا القدامى، داعيا الحكومة والجهات المختصة الى دعمنا معنويا واقامة معارض محلية وعالمية.
ابو علي النعيمي احد اشهر المقتنين للتحفيات تحدث قائلا:
متعتي اجدها هنا، فانا منذ اكثر من 30 عاما اقتني من هذه السوق التحف والانتيكات القديمة النادرة وخصوصا الملكية كوني عاشقا لتلك الفترة، مبينا انه خصص غرفة في منزله يستعرض بها الانتيكات والصور واللوحات لكل من يزوره من الاقرباء والاصدقاء ونجعل من الاشياء الموجوده حديثا لنا نتبادل به معرفتنا مبتعدين عن الحوارات السياسية، داعيا الشباب من الذين يرغبون للاطلاع على تاريخ بلدهم العراق والدول الاخرى الى زيارة هذه السوق مرة واحدة في الاسبوع ليتعرفوا على كل ماهو نادر وجميل فالانتيكات ايقونات الماضي الجميل.
وائل الملوك