كانت أعراس البغداديين في ايام زمان مظهرآ رائعآ من مظاهر الحياة الاجتماعية ، لما كان للزواج عندهم من قدسية عظيمة ، فبدونه لايكمل للمسلم أيمانه ، وبمثل هذا الشعور كانت تقام تلك الاحتفالات والمهرجانات الشعبية في كل حي من أحياء بغداد القديمة.
ولما كانت العفة والشرف من مستلزمات الحياة الكريمة فأنهم ما كانوا ليأبهوا بالجمال ولكن يجب ان يكون حسب العريس والعروس كل منهما عفآ شريفآ في نفســـه وفي عرضه ومعاشـــه.
وهذا ما يميز طابع ( الخطوبة )عما هو عليه اليوم ، حيث كانوا يتحرون عن شرف العريس والعروسة معآ ويسألون الاقربين والابعدين ويستزيدون استيضاحآ من الجيران وجيران الجيران ومن يسكن خلف بيوتهم من ابناء المحلات الاخرى وقد تنتهي المسألة عند العريس بهذه الكيفية.
أما اذا بقي شيء من الشك يساور النفوس حول عفة الفتاة كانوا بأنفسهم يصرون
ان يبحثوا الامر بأنفسهم عما اذا كانت
الفتاة تمتلك ( عباءة) أم لا ... فاذا كانت
لديها عباءة فمعنى ذالك انها تخرج من البيت..
واذا خرجت البنت من دارها فلا بد ان يراها احد ، وهذا ما كان يسقطها في نظر الناس
وبعد التأكد من ذلك ، واذا ارادوا ان يعرفوا اريحية وكرم اهل العروس تذهب الخاطبات الى اهل العروسة بشكل مفاجئ ويتوجهن فور وصولهن الى المطبخ ليحصن عدد القطط التي فيه وكلما كثر عددها دل على اريحية اهل البيت وكرمهم ، وكان هذا اعتقادا سائدا في المجتمع البغدادي انذاك.
واذا تمت الخطوبة وجرى الاتفاق من كلا الطرفين تقرأ سورة الفاتحة المباركة وتستلم البنت
( النيشان ) او الهدية المعتادة من اهل العريس وتكون عادة من الاحجار الكريمة او المصوغات الذهبية اضافة الى بعض الملابس والعباءة ... وبعد الاتفاق على الصداق يحدد يوم العقد ويكون عادة يوم الجمعة على الاغلب ، فتفرش الافرشة الوفيرة ويدعو الوجهاء والاقرباء والاصدقاء واهل المحلة والجيران ، ثم يوكل عن العريسين لكل منهما وكيلآ وشاهدين ويتم الزواج والعقد عن طريق الوكلاء.
وبعدها توزع على الحاضرين اقداح العصائر ومناديل السكر الزاهية الالوان ويعم الفرح والسرور وتتصاعد اصوات الزغاريد ابتهاجآ بهذه المناسبة.
وكان شباب المحلة هم الذين يقومون بالخدمة والتوزيع.
وفي يوم الاربعاء الذي يسبق ليلة الدخلة يحمل الحمالون جهاز العروس من بيتها يتقدمهم وفد من اهل العريس ووجهاء محلته لغرض الحراسة والمحافظة عليه ، وفي صباح يوم الخميس يؤتى بعاملة التجميل ( الحفافة )مع ادوات الزينة لتزين العروس.
وعند المساء من اليوم نفسه تبدأ الزفة ويخرج موكب العروس تتقدمها الموسيقى والطبل ثم وجهاء المحلة واهل العريس ، وخلال الزفة تضع العروس على رأسها تاجا من الورد الابيض كما ترتدي اقنعة وملابس بيضاء كاملــــة وهذا يدل على الطهارة والعفاف.
حسين شهيد المالكي