الاعياد مناسبات شعبية يلتقي القوم فيها صباحا ومساءً وقد غمرهم الفرح وساد بينهم الوئام وتذللت بينهم المصاعب فظلوا فرحين مبتهجين للعيد نكهته وحلاوته واستجمام ايامه في توطيد العلاقات الاجتماعية وتأثيره الايجابي في بناء وحدة المجتمع وسيادة التسامحية والشفافية كديدن حياتي يأتي كتحصيل حاصل يسهم في عملية بناء المجتمع.
وعليه يحفل العدد الرابع للسنة الثانية كانون الاول 1970 من مجلة التراث الشعبي بمقال قيم للراحل العلامة طه باقر منشور على ص137 منها ويفيد فيه بان لا تاريخ معين حدد بدء الاعياد عند انسان عصور ما قبل التاريخ ، لكن الظرف الحياتي يتطلب احياناً اقامة الافراح والولائم ابتهاجاً بنجاح حملة صيد موفقة او تسجيل انتصار على جماعة معادية.
والراجح ان الاعياد الموقوتة قد حدثت بعد ذلك الانقلاب العظيم الذي وقع في حياة الناس في الحقبة التي اطلق عليها : اسم العصر الحجري الحديثNeolitnic وهو العصر الذي تعلم فيه الانسان القديم الزراعة وتدجين الحيوان الذي اعد حدثاً كبيراً لاول مرة في جهة ما في الشرق الادنى قبل نحو (8000) عام او يزيد الامر الذي بدل الحياة تبديلاً جذرياً حيث انتقل الانسان من حياة الهمجية ومن طور جمع القوت والصيد في العصر الحجري القديم السابقPalaeolitinic الى طور انتاج القوت بالزراعة وتدجين الحيوان ، وهذا يعني ان الانسان القديم صار مشاركاً للطبيعة بعد ان كان متطفلاً عالة عليها حيث حلت في هذا الانقلاب العظيم في حياة انسان عصور ما قبل التاريخ تأثيرات ايجابية اسهمت باستمرار في تطوير حياة الانسان الاجتماعية حين ظهرت المعالم الاولى للمجتمع الانساني المتمثل في الجماعات الفلاحية التي تعيش حول الحقول وفي قرى زراعية وصولاً الى حياة مستقرة ثابتة.
وبدأ الانسان يدرك تصوراً وجود كوائن علوية فوق البشر.
وقد بدأ يعيش الزمن بالتقويم الشمسي متخذاَ من الظواهر الطبيعية المتعلقة بالزراعة كالارض والتربة والشمس والمطر سبيلاً للاحتفال بالاعياد الموسمية الموقوتة مثل مناسبة البذر والحصاد وجني الغلة او اقامة الافراح ابتهاجاً بنجاح الموسم الزراعي.
وهذا يعني ان الاعياد الرسمية التي عرفت في حضارة وادي الرافدين والحضارات القديمة الاخرى كان منشأها الدورة الزراعية وما فيها من مناسبات تدعو للاحتفال بها حيث كان الخريف موسماً للحرث والبذر والربيع موسم للحصاد وجني الغلة وهكذا عرفت مناسبات الاحتفال التي صارت اعياداً فيما بعد.
عيد رأس السنة
ان عيد رأس السنة من الاعياد الطبيعية المشهورة في العراق القديم نتيجة المشاركة الجماهيرية الشعبية في المهرجانات التي تقام فيه وهو الى الاعياد العامة اكثر قرباً , الامر الذي اكسبه صفة دينية وكان يمارس في اوائل شهر نيسان في منتصف الالف الثاني (ق. م).
كان هذا العيد يرمز الى الصراع بين قوى الطبيعة وانتصار العناصر الخالقة المتمثلة بظهور النبات والخضار في الربيع على القوى المضادة.
وكانت تلاوة اسطورة الخليقة البابلية الشهيرة جزءا مهماً من هذا العيد حيث تفيد هذه الاسطورة انتصار إله بابل (مردوخ) على الالهة العتيقة المتمثلة لقوة الدمار في الطبيعة الذي يعني انتصار عملية الخلق واحلال النظام في الكون وتقدير مصائر الناس واقدار العام الجديد.
ويسمى عيد رأس السنة الجديدة بالمصطلح البابلي (واكيتي) او (اكيتو) وكان يحتفل به مرتان الاولى في الخريف وقد اطلقوا عليه (عيد البذر) والثانية في الربيع . وقد اطلقوا عليه (عيد الحصاد) ثم ادمج هذان العيدان في عيد واحد يبدأ في اول الربيع في اليوم الاول من شهر نيسان البابلي ويستمر احد عشر يوماً.
ففي الايام الخمسة الاولى منه يقوم الكهنة قبل شروق الشمس بتطهير عام لمعبد بابل الرئيس المسمى (والياكلا) وهو احد المعابد الخاصة بكبير الالهة البابلية (مردوخ) الذي تبوأ هذا المركز في عهد سلالة بابل الاولى (الالف الثاني قبل الميلاد في عهد ملكها المشهور (حمورابي) (1892-1750ق. م) وكانت تتلا فيه التطهيرات الطقوسية – السحرية) وتتلا فيه مساءً اسطورة الخليقة البابلية التي تطمئن المواطنين لتحقيق آمالهم في العام الجديد.
تقرير المصير في العام الجديد
بين يومي الثامن والتاسع من ايام العيد يشرع الآله (مردوخ) في تعيين اقدار العام الجديد ومن خلاله يتم تقدير مصائر الناس وطبيعة الحياة التي سوف يحيونها في وقت يكون فيه تمثال الآله (نابو) قد وصل مع تماثيل الالهة الاخرى والمدن في بلاد بابل مثل كيش وكوثي والوركاء ونفرّ وغيرها.
في هذا الوقت يكون الملك في رصيف ميناء بابل مستقبلاً هذه التماثيل ثم تؤخذ هذه التماثيل الى معبد الآله (مردوخ) وتوضع في قاعة تبدو عليها مظاهر الابهة والهيبة تسمى (حجرة الاقدار) او (المصائر) وقد وردت بنفس هذه الابهة في اسطورة
(الخليقة) .
ويحمل الملك بيده صولجان ويقوم بدور الحاجب في تنظيم الاحتفال فيعين لكل إله مجلسه بحسب منزلته ومكانته بين الالهة بحيث تكون تماثيل هذه الالهة مواجهة لتمثال مردوخ.
وفي قاعة الاقدار هذه يتم انتخاب الآله مردوخ مجدداً ملكاً عليها وتتنازل له عن سلطانها والقابها ثم يشرع الآله مردوخ في تعيين اقدار العالم الجديد وتقدير مصائر الناس فيه.
بعد الانتهاء من هذه المراسيم ينظم موكب فخم تتقدمه تماثيل الآلهة وفي مقدمتها تمثال الآله مردوخ حيث يتقدمهم الملك وهو ممسك بعربته الالهية الفاخرة وبعده يأتي دور وجهاء المملكة والمديية ثم عامة الناس ويسير هذا الموكب في شارع فخم اطلق عليه شارع الموكب ومازال بقايا منه الى الآن في آثار بابل وهي احسن ما بقي من معالم المدينة ويمر الموكب من باب عشتار باتجاه الشمال خارج المدينة حتى ينتهي بمعبد يطل على ضفة نهر الفرات الشرقية وقد خصص هذا المعبد لاعياد السنة الجديدة وسمي (بيت اكيتي) (أي معبد عيد اكيتي) وقد اظهرت التنقيبات بقايا منه في شمال العراق وجنوبه مثل معبد الوركاء والمعبد المشيد بالقرب من الشرقاط حيث موضع العاصمة الآشورية القديمة (آشور) وكانت الاشجار والورود النظرة تحيط بهذه المعابد ,الامر الذي يجعل منها نزهة وفسحة تثير البهجة وافراحها.
الزواج الالهي
يختتم عيد رأس السنة البابلية الجديدة في وادي الرافدين بالزواج المقدس او الزواج الالهيHioros Gamos وهو نوع من الطقوس المتعلقة بخصوبة الارض والدورة الزراعية كان يقام في فصل الربيع من كل عام حيث يعتقدون ان احلال الخصب والبركة في الارض لا يتم بزواج الالهة من إله وكانت إلهة الحب والخصب هي عشتار الشهيرة وتقوم الكاهنة الاولى بدور الالهة عشتار ويقوم كبير الكهنة بدور الآله ويتم الزواج بينهما في موضع خاص من معبد المدينة . وكان هذا التصرف يعني استئناف عملية التجديد والخلق من بعد ظهور إله المدينة من أسرة في العالم
السفلي.
وكان هذا يتم في اليوم الحادي عشر من العيد حيث تقام الافراح والولائم وينتهي العيد في اليوم الثاني عشر من نيسان حيث تعود تماثيل الالهة الى المدن المخصصة لعبادتها وتنصرف الجماهير الى ممارسة اعمالها الاعتيادية وسط آمال جديدة في العالم الجديد.