من الصور الجميلة التي كنا نألفها الى وقت قريب، والى الان تقريباً، بائع عرق السوس، وهو يجوب الشوارع والأسواق العامة منادياً : (( عرق سوس، سوس بارد )) بنغم موسيقي, كما هو شأن الباعة الجوالين في مدن العراق كافة، يوم لم يكن الإعلان عن السلعة او البضاعة لتعرف طريقها الى وسائل الإعلام المعروفة اليوم.
كما لم يكن بمقدور كل بائع ان يتخذ دكاناً لعرض سلعته او بضاعته، فكان البائع المتجول يغشى الأسواق المكتظة بالناس ويقصد الشوارع التي تزدحم بالمارة، ليطلق نداءه المنغم الذي تصاحبه الأصوات المنبعثة
عن صفق ( الطاسات )التي يحملها بيده ببعضها ( استعاض بعضهم بالكؤوس عن الطاسات )
وذلك بهدف جلب انتباه الناس الى الشراب البارد الذي يحمله بآنيته التقليدية المصنوعة من النحاس وبلباسه الشعبي الجميل .
ما هو عرق السوس ؟
لعل البعض من القراء لم يشاهد بائع عرق السوس وهو في أسواق وشوارع المدينة، رغم ان شمسه لم تنطفئ من عالمنا الشعبي بعد، بل ان الكثير منهم أيضاً لا يعرف شيئاً عن هذا الشراب الشعبي . وعرق السوس .. او ( رُبْ السوس او منقوع القرقوس ) عبارة عن جذور لحاء قهوائية اللون.
وقد استعمل هذا النبات في الطب الشعبي كعلاج لكثير من الإمراض والحالات المرضية الشائعة في مجتمعنا، شأنه شأن كثير من النباتات الأخرى التي استعملت في مجال الطب الشعبي قديماً .
ومن الجدير بالذكر ان أسواق مدينة الموصل تشتهر ببيع عرق السوس أكثر من غيرها من المدن العراقية لتوفر نباته فيها بكثرة وهو على شكل شجيرات متعددة السيقان نحيفتها تحمل مادة مكونة دبقاً خاصاً على الأوراق اللوزية الشكل .
فوائده
لقد استعمل ( عرق السوس ) كشراب في علاج الربو وضيق الصدر والسعال الجاف، كما يفيد في علاج مرض المعدة و الأمعاء والزكام.
إضافة الى كونه علاجاً مدراً للبول في إمراض الكلى والمثانة، فخاصيته الجيدة في تفتيت الحصى من الكلى، كما يفيد بعد تنظيفه وغليه كما يغلى الشاي،
كشراب لتخفيض حرارة الطفل المرتفعة.
بعد ان يخلط معه ( عر الكبر )، على ان يشربه الطفل لمدة أربعة أيام متتالية . هذا فضلاً عن ان الكثير من الناس
كانوا يتناولونه كشراب منعش كما يناولون المرطبات وأنواع الشرابت لاسيما أيام الصيف، كما كان المغنون يستعملونه لصفاء أصواتهم وترطيب حناجرهم .
استعمال قديم
قد يذهب بنا الظن الى ان استعمال عرق السوس كشراب طبي يرقى الى زمن قريب لايتعدى القرن او القرنين، بيد ان المصادر التاريخية تفيد ان الطبيب العراقي القديم استعمل شراب هذا النبات للعلاج منذ آلاف السنين .
فقد ورد في لوحات مكتبة آشور بانيبال الطبية اسم ل (250 )
نوعاً من النبات يستعمل في الطب، وكان مما صنـف من الأعشاب المسهلة : الصبر، والخـــروع، والخــريق، والسـوس.
فخري حميد القصاب