السؤال: مناقشة الطبري في سبب النزول، وابن كثير في معنى (وهم راكعون)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان تفسير الطبرى مفتوح امامى عندما اطلعت على هذا الموضوع. فرجعت إليه للتأكد فلم اجده مقنع . واننى انقل لكم صفحات التفسير فدلونى عن الدليل من فضلكم.
القول في تأويل قوله : (( إنَّمَا وَليّكم اللَّه وَرَسوله وَالَّذينَ آَمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلَاةَ وَيؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهمْ رَاكعونَ ))
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، ليس لكم، أيها المؤمنون، ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره(1). فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء لا نفصرَاء، بل بعضهم أولياء بعض، ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا.
وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت، في تبرّفئه من ولاية يهود بني قينقاع وحفلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
122077 – حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:
لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان أحد بني عوف بن الخزرج) فخلعهم إلى رسول
الله(22) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حفلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حفلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:”إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون { لقول عبادةَ: (( أتولى الله ورسوله والذين آمنوا))، تبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم, إلى قوله: (( فإن حزب الله هم الغالبون ))(3)
122088 – حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه.
122099 – حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.
وأما قوله: (( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّف به. فقال بعضهم: عفنفي به علي بن أبي طالب.
وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
122100 – حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.
122111 – حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال:
سألته عن هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، قلت4) من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا!(5) قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.
122122 – حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، وذكر نحو حديث هنّاد، عن عبدة.
122133 – حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، قال:
علي بن أبي طالب.(6)
122144 – حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.(7)
هذا ، وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: (( وهم راكعون ))، وفي بيان معناها في هذا الموضع ، مع الشبهة الواردة فيه ، لأنه كان يحب أن يعود إليه فيزيد فيه بيانًا ، ولكنه غفل عنه بعد.
وقد قال ابن كثير في تفسيره 3: 1822 : (( وأما قوله: (( وهم راكعون ))، فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: (( ويؤتون الزكاة ))، أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ، ممن نعلمه من أئمة الفتوى.
وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه…)) ثم ، ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.
وهذه الآثار جميعًا لا تقوم بها حجة في الدين. وقد تكلم الأئمة في موقع هذه الجملة ، وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله: (( وهم راكعون ))، يعني به: وهم خاضعون لربهم، متذللون له بالطاعة، خاضعون له بالأنقياد لأمره في إقامة الصلاة بحدودها وفروضها من تمام الركوع والسجود ، والصلاة والخشوع ، ومطيعين لما أمرهم به من إيتاء الزكاة وصرفها في وجوهها التي أمرهم بصرفها فيها. فهي بمعنى (الركوع) الذي هو في أصل اللغة ، بمعنى الخضوع = انظر تفسير (ركع) فيما سلف 1: 574.
وإذن فليس قوله: (( وهم راكعون )) حالا من (( ويؤتون الزكاة )).
وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله.

*************************
(1) انظر تفسير(ولي) فيما سلف ص: 399 ، تعليق: 11, والمراجع هناك.
(22) في المخطوطة: (فجعلهم إلى رسول الله), والصواب ما في المطبوعة, مطابقًا لما سلف, ولما في سيرة ابن هشام.
(3) الأثر: 12207- سيرة ابن هشام 3: 52, 533, وهو مطول الأثر السالف رقم: 12158, وتابع الأثر رقم: 12167. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (حدثني والدي إسحق بن يسار, عن عبادة بن الصامت), أسقط ما أثبت من السيرة, ومن إسناد الأثرين المذكورين آنفًا.
(44) في المطبوعة والمخطوطة: (قلنا), والصواب الجيد ما أثبت.
(55) هذا ليس تكرارًا, بل هو تعجب من سؤاله عن شيء لا عن مثله.
(6) الأثر: 122133-إسمعيل بن إسرائيل الرملي, مضى برقم: 10236. وأيوب بن سويد الرملي, مضى برقم: 5494. وعتبة بن أبي حكيم الهمداني, ثم الشعباني, أبو العباس الأردني. ضعفه ابن معين, وكان أحمد يوهنه قليلا, وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.
(7) الأثر: 122144-غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري, منكر الحديث متروك. مترجم في لسان الميزان, والكبير للبخاري 4/1/101, وابن أبي حاتم 3/2/48.
الجواب:
الأخ عز الدين المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستدلال بآية الولاية (الآية555 من سورة المائدة) على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) وخلافته بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت بعد إثبات أنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيره، ليتحصّل منها حصر الولاية بالله وبرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبأمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيرهم، وبعدها نقول: أنّ المعنى المتصوّر للولاية هنا هو: ولاية الأمر دون المحبّة، أو النصرة، أو أمثالهما من المعاني، التي لا مجال لتصوّر حصرها بالثلاثة المذكورين في الآية فقط.
وعن الأمر الأوّل نقول: انّه قد ورد من طرق صحيحة أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في حال الركوع.
فها هو المفسّر الكبير ابن أبي حاتم، الذي عدّه ابن تيمية في (منهاج السُنّة) من المفسّرين الكبار الذين لا يروون الموضوعات(1)، يروي بسند مرسل صحيح في تفسيره: عن أبي سعيد الأشج، عن الفضيل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل – وكلّهم ثقات – أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(2).
وكذا يروي الحاكم الحسكاني، الذي وصفه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) بـ(المحدّث البارع القاضي… الحاكم)(3)، في كتابه (شواهد التنزيل) بسند صحيح أو قريب من الصحيح: أنّ هذه الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في حال الركوع(4).
وقد تقرّر في علم الحديث أنّ المرسل الصحيح إذا عضده مستند صحّ الاحتجاج به، وارتفع إلى درجة الحسن(5).
وكذا يروي السيوطي في (الدرّ المنثور): عن عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي نعيم، وغيرهم: أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)(6).
وأيضاً يروي السيوطي في (لباب النقول): عن الطبراني، بأنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ثمّ يذكر له شواهد، وقال: ((فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً))(7).
وكذا يروي ابن كثير في تفسيره، أنّها نزلت في حقّ عليّ(عليه السلام) بعدّة طرق، ومنها الطريق الصحيح المتقدّم عن ابن أبي حاتم(8).
وكذا يروي القرطبي في تفسيره(99)، والواحدي في (أسباب النزول)(10)، والجصّاص في (أحكام القرآن)(11)، والزمخشري في (الكشّاف)(12)، والرازي في (التفسير الكبير)(13)، وأيضاً الطبري عن طرق متعدّدة كما أسلفتم في تفسيره: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(14).
وهكذا روى غير هؤلاء المحدثين والمفسّرين أنّ الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في مصادر مختلفة لا تخفى على المتتبع.
فالمتحصّل أنّ الآية الكريمة وبواسطة الطرق الصحيحة المشار إليها في المصادر المتقدّمة، وبمعاضدة الطرق التي يقوّي بعضها بعضاً، نقطع بأنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في الصلاة وهو في حال الركوع.
وأمّا دعوى أنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.
فنقول: إنّ هذه الرواية شاذّة، وأكثر الأُمّة يدفعها، وما ذكر في نزولها في عليّ(عليه السلام) هو المجمع عليه.
وأيضاً أنّه قد وردت في الآية صفات لا تنطبق إلاّ على حاله (عليه السلام)؛ إذ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قد بيّن أنّ المعني هو الذي آتي الزكاة في حال الركوع، وأجمعت الأُمّة على أنّه لم يؤت أحد الزكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين(عليه السلام).
وليس لأحد أن يقول: أنّ قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) ليس هو حالاً لإيتاء الزكاة، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزكاة؛ فإنّ ذلك خلاف اللغة، ألا ترى أنّ القائل إذا قال: لقيت فلاناً وهو راكب، لم يفهم منه إلاّ لقاؤه في حال الركوب، ولم يفهم منه أنّ من شأنه الركوب، وإذا قال: رأيته وهو جالس، أو جاءني وهو ماشٍ، لم يفهم من ذلك كلّه إلاّ موافقة رؤيته في حال الجلوس، أو مجيئه ماشياً، وإذا ثبت ذلك، وجب أن يكون حكم الآية أيضاً هذا الحكم.
ودمتم في رعاية الله
(1) منهاج السُنّة 7: 133، المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلّة الدالة من القرآن على إمامة عليّ(عليه السلام).
(2) تفسير ابن أبي حاتم 4: 11622 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ… )).
(3) سير أعلام النبلاء 18: 268 (136) الحسكاني.
(4) شواهد التنزيل 1: 212.
(5) انظر: الباعث الحثيث 1: 1577 النوع التاسع: المرسل.
(6) الدرّ المنثور 2: 293، 2944 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ… )).
(7) لباب النقول في أسباب النزول: 81 سورة المائدة.
(8) تفسير ابن كثير 2: 733 قوله: (( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ… )).
(9) تفسير القرطبي 6: 221.
(10) أسباب النزول: 133 سورة المائدة.
(11) أحكام القرآن 2: 557.
(12) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(13) تفسير الرازي 3: 4311 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ… )).
(14) تفسير الطبري 6: 3888.