ان من الواضح لكل ذي معرفه بالامور الدينية ان القران الكريم قطعي الصدور والدلالة.
وفي اي حكم من الاحكام ان اردنا اثباتا قاطعا على الحرمة او الجواز ما علينا الا الاستشهاد بنص قراني لينقطع النزاع باتفاق الامة الاسلامية.
وقبل البدئ بطرح ادلة جواز البناء على قبور الاولياء الصالحين وهو موضوعنا اليوم يجب ان نوضح امرا هاما وهو انه يجب التفريق بين تقديس وتعظيم صاحب القبر وبين عبادته وجعله لله شريكا.
فتعظيم صاحب القبر امرا لا ينافيه العقل والمنطق والقران الكريم خاصة ان كانت التوصيه بهم امرا الهيا (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى))الشورى
ان المسلم اذا زار قبرا لولي من اولياء الله فهو على يقين ان فلانا عبد لله تعالى لا شريكا له في الربوبيه والالوهيه كما في باقي الاديان عند سائر الامم.
كل مسلم يقر بالوحدانيه الخالصه لله وكل مخلوقا هو عبدا فقيرا لله وان زاره ودعا عند قبره فهو يقصد به الوسيله لله تعالى وبابا له عزوجل.
الله تعالى امر المسلمون ان ياتوا للنبي كي يستغفر لهم النبي (صلى الله عليه وآله)واولاد يعقوب طلبوا من اباهم ان يستغفر لهم لماذا؟ الم يمكنهم ان يطلبوا المغفرة مباشرتا من الله تعالى ؟ ام انه تعالى اراد ان يبين لنا عظمه اولياءه باننا مهما اخطاءنا ان استغفروا لنا عند الله فسيغفر الله لنا.
هذا هدف كل المسلمين من زيارة قبور الاولياء وهو ما يحاول الوهابيين تضليل الامة برميهم المسلمين بالشرك وتطبيقهم ايات نزلت على المشركين على الثلة المسلمة ممن يعظم الاولياء الصالحين.
اما النص القراني الواضح والقطعي الدلالة على جواز بناء القبور:
اولا: قال تعالى (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً) الكهف.
شرح الاية الكريمه: (وكذلك) اي كما بعثناهم (أعثرنا) أطلعنا (عليهم) قومهم والمؤمنين (ليعلموا) أي قومهم (أن وعد الله) بالبعث (حق) بطريق أن القادر على إنامتهم المدة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى (وأن الساعة لا ريب) لا شك (فيها) (إذ يتنازعون) أي المؤمنين والكفار (بينهم أمرهم) أمر الفتية في البناء حولهم (فقالوا) (ابنوا عليهم) أي حولهم (بنيانا) يسترهم (ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم) أمر الفتية وهم المؤمنون (لنتخذن عليهم) حولهم (مسجدا) يصلى فيه وفُعِلَ ذلك على باب الكهف.مجمع البيان/الطبرسي/ج6/ص328.
وايضا تفسيرها من كتب اهل السنه قال الطبري في تفسيره جامع البيان حول هذه الآية: حدثنا ابن حميد... عن عبد الله بن عبيد بن عمر قال: عمّى الله على الذين أعثرهم على أصحاب الكهف في مكانهم فلم يهتدوا وقال المشركون نبني عليهم بنياناً فانهم آباء أبنائنا ونعبد الله فيها وقال المسلمون بل نحن أحق بهم هم منا نبني عليهم مسجداً نصلي فيه ونعبد الله فيه.
وايضا جاء في تفسير السيوطي (الدر المنثور في التفسير بالمأثور): أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال:..... فقال الملك لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسجداً فلأعبدن الله حتى أموت فذلك قوله قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ.
وايضا قال الثعلبي في تفسيره: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ) يعني (تيدوسيس) الملك وأصحابه (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا) وقيل: الذين تغلبوا على أمرهم وهم المؤمنون وهذا يرجع الى الأول.
وفي تفسير الجلالين: (يتنازعون) أي المؤمنون والكفار (بينهم أمرهم) أمر الفتيه في البناء حولهم (فقالوا) أي الكفار (أبنوا عليهم) أي حولهم (بنيانا) يسترهم (ربهم أعلم بهم قالوا الذين غلبوا على أمرهم) أمر الفتية وهم المؤمنون (لنتخذن عليهم) حولهم (مسجدا) يصلي فيه، وفعل ذلك على باب الكهف.
ومن المسلم به ان الدليل القراني هو دليل لفظي نصي غير مقيد بحادثة من الحوادث. بل تجري احكامه في كل مفاصل الحياة على مدار الازمنه باتفاق الامه الاسلاميه والا لسقط التشريع الاسلامي بالكامل ان ربطنا احكامه بالحوادث.
والذي يهمنا هنا هو عبارة (لنتخذن عليهم مسجدا) وهو ما وقع فعلا باجماع المفسرين انهم اقاموا هنالك مسجدا عليهم يعبدون الله فيه تماما كما يحدث الان في اضرحه الائمة المعصومين وسائر اولياء الله الصالحين.
وهنا كما نرى ان القران الكريم سرد لنا قصة الفتية وكيف اتخذ المومنون عليهم مسجدا دون ان يعترض على هذا او ينهي عنه وهذا دليلا قطعيا ان ما فعلوه كان جائزا فاقرار القران الكريم بفعلهم حجه ان لم يكن امرا.
الامر واضح عقلائيا ان كان فعلهم شركا كيف لم ينهي الله عنه؟ وكل متطلع في امور القران الكريم يعلم ان الله تعالى ان سرد فعل قوما وكان فعلهم قبيحا ينهي عنه مباشرتا فباتفاق علماء الاصول الاسلامي ان تاخير الحكم الشرعي عن وقت حاجه المكلفين له قبيح شرعا تعالى الله عن ذالك علوا كبيرا.
وهنا كما نرى ان الفتيه لم يكونوا انبياء او معصومين وقد اجاز الله بناء مسجدا عليهم فكيف بمن هم افضل منهم كالنبي الاكرم وعترته الطيبين الاطهار؟
ومن ناحية اخرى إن المسجد الحرام والكعبة الشريفة مليئة بقبور الأنبياء والأولياء عليهم السلام.
بل ان حجر إسماعيل عليه السلام ما هو الا قبره وقبر امه عليهما السلام ونحن نطوف ونصلي حولهما؟ وقد اجمعت مصادر السنه والشيعه على ان الكعبة مليئة بقبور الانبياء والاولياء عليهم السلام.
كما في تاريخ الطبري: وعاش إسماعيل فيما ذكر مائة وسبعا وثلاثين سنة، ودفن في الحجر عند قبر أمه هاجر. ج1 ص 221.
و في تفسير القرطبي: ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا، جاءوا حجاجا فقبروا هنالك عليهم السلام. ج2 ص 130.
وفي الكافي: عن الإمام الصادق انه قال (الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل) ج4 ص 210.
ولا ياتينا قائل باحاديث حول كراهه بناء القبور ما زاد عن الاربعه اصابع فالامر الاول هو عن نفس القبر لا عن المسجد الذي يقام عليه وكما نعلم ان قبور الائمة المعصومين والاولياء هي شرعية بذاته وما اقيم عليها من شباك او ما شابهه هي تعريف بصاحب القبر وهو ما لم يرد فيه نهيا ابدا وثانيا اغلب الاحاديث التي وردت عن الكراهه رواها ابي هريرة المعروف بوضعه احاديث على رسول الله او عن عائشه المتروكه الحديث عندنا.
ثانيا: قال تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج 32. وقال ايضا في نفس السورة (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ). ولا شك ان الاهتمام بالمعالم الاسلامية وحفظها من الاندثار والخراب نحو من انحاء التعظيم للشعائر الدينية. ولا يخفى ان الله تعالى جعل الصفا والمروة وهما جبلين سعت بينهما هاجر عليها السلام من الشعائر والحرمات التي يجب احترامها بقوله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) فكيف بالبقاع التي حوت اجساد انبياء واولياءه الصالحين اليست اولى بالتقديس والتعظيم؟ اليس من الاولى ان تعتبر شعائر الله ايضا؟ كيف لا وهي بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه؟ فان المراد بالبيت بيت الطاعة, وكل محل أعدّ للعبادة, فيعم المساجد والمشاهد المشرفة لكونها من المعابد.
اما من ناحية السنه النبوية الشريفه فيكفي اقرار النبي الاكرم والصحابة على البناء على القبور فالنبي الاكرم قد اقر مدفن اسماعيل وامه عليهم السلام وقبور الانبياء حول بيت المقدس واقر الصحابة على دفن النبي الاكرم في غرفته واقامتهم عليه بناءاً كل هذا دليلا قطعيا ان تهديم القبور ما هو الا بدعه اتى بها الوهابيين من انفسهم لتمزيق الثوابت الاسلامية.
وكذا وردت الكثير من الروايات التي تحث على زيارة القبور وثواب من زار قبر النبي وان النبي زار قبر امه عليه السلام ورمه وسنتطرق لبعضها:
جاء ذلك في صحيح مسلم والنسائي وابن ماجة وغيرهم. عن بن بريدة عن ابيه, قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. قال النووي في كتاب المنهاج: قوله (كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)، هذا من الأحاديث التي تجمع الناسخ والمنسوخ وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها وأجمعوا على ان زيارتها سنة لهم.... (كتاب المنهاج في شرح صحيح مسلم-ح976).
وايضا في صحيح مسلم وبن ماجة وبن داود: عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أُمه فبكى وأبكى من حولهُ... وقال: استأذنته في أن أزور قبرها, فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت.
وعن ابن ماجة: عن عائشة: ان رسول الله رخص في زيارة القبور. وهناك الكثير عند اهل السنه مما يطول بنا المقال لو ذكرناها جميعا.
عن ابن عمر انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي)..... (السنن الكبرى للبيهقي –كتاب الحج-باب زيارة النبي (صلى الله عليه واله وسلم)-ح10274).
اما عند اهل البيت عليهم السلام فقد حثوا على الامر كثيرا:
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجتكم عند قبر أبيه وعند قبر أمه بما يدعوا لهما..... (الكافي-الفروع-ج1-كتاب الجنائز-باب زيارة القبور-ح10).
وعن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) نزور الموتى؟ فقال: نعم. قلت فيسمعون بنا إذا أتيناهم؟ قال: أي والله إنهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم.... (الفقيه –ج1-باب26-ح39).
و عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: علامات المؤمن خمسة، صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)..... (التهذيب –ج6-باب فضل زيارة الحسين-ح37).
وايضا عن الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: أن لكل إمام عهداً في عنق أولياءه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعائهم يوم القيامة.... (الكافي –كتاب الحج-باب مسجد غدير خم-ح2).
فلا يبقى شك بعد هذا بجواز وافضلية البناء على قبور الصالحين.
الكاتبة: نور المياحي