تعددت وسائل القرآن الكريم في ايصال رسالته الى الناس وتنوعت اساليبه في اقامة الأدلة والبراهين التي يسوقها لإثبات مقاصده كالبعث والمعاد, وقدرة اللّه, وغيرها إلى آخر ما جاء في آياته من موضوعات, واسلوب القصص كان احد أهم وسائل القرآن الكريم في ايصال تلك الرسالة الى الناس وتثبيتها في نفوسهم، فكان شأنه شأن مشاهد القيامة، وشأن صور النعيم والعذاب، وشأن الشرائع التي يفصلها، والأمثال التي تضرب للناس... فقد سيقت القصة في القرآن الكريم لتقرر أهدافا كثيرة وغايات متعددة.
فليس القصص القرآني الا القرآن الكريم في صدقه المطلق, فهو الحق الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت 42].
فالقصة القرآنية منطوية على الحق المطلق الذي لا يطوف بحماه طائف من الخيال وان كل ما تضمنته صدق وحق, لقوله سبحانه: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } [آل عمران 62], وقوله سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا }[النساء 87], وقوله عزّ وجل: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا } [النساء 122], وقوله سبحانه: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ }[الكهف 13], فقصص القران انما هي من الواقع والأحداث, لذا كان من شأنها التغلغل الى النفوس والتأثير عليها, وما من شيء أشد أثرا على النفوس من أسلوب القصة، لذا اعتمد القرآن على إيراد الموعظة وغيرها بنحو القصة؛ لأنها تعطي دليلا حسيا ملموسا لمن يسمعها، وذلك سوف يكون أشد وقعا وتأثيرا في النفس, بخلاف ما عليه القصة الفنية التي خلت من الحكمة والعظة, وطاف بأحداثها طائف من الخيال, وتجردت عن الصدق والواقعية, وليس من وراء سوقها هدف او غاية ترتجى.
وللقصة تعاريف كثيرة لدى العلماء، نقتصر على ذكر ما قل منها ودل خشية الإطالة والاملال, فرجحت منها في المقام ما ذكره العلامة الطباطبائي في الميزان بقوله أن القصة بمفهومها القرآني هي: «كلام إلهي مفرغ في قالب الوحي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام» (1).
فبقيد ان القصة القرآنية «كلام الهي مفرغ في قالب الوحي» خرجت القصة البشرية الفنية الحرة المتوخى منها أداء غرض فني طليق، وبهذا فلا يصح ان نسمي القصص القرآني قصصاً بالمعني المصطلح عليه عند النقاد، فهو ليس عملاً فنياً مستقلاً في موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه فحسب كما هو الشأن في القصة الفنية, بل يمتاز بأسلوبه المعجز في سرد الاحداث محققا بذلك الغرض الأسمى في ظل ذلك السرد القصصي, وبهذه الميزة الفنية الاعجازية تحدى الله عزّ وجل العرب قاطبة على ان يأتوا بمثله او ببعضه.
وبقيد الهداية الى سبل السلام خرج ما كان لمجرد المتعة وقضاء الوقت في قراءات القصص أو الاستماع اليها اذ ليس في ذلك عظة وعبرة يستلهما القارئ او المستمع ليهتدي بها الى سبل السلام وتوصله الى بر الامان.
وكيف كان فالقصص القرآني يختلف عن غيره من القصص في ناحية أساسية هي ناحية الهدف والغرض الذي جاء من أجله, ذلك ان القرآن الكريم لم يتناول القصة لأنها عمل (فني) مستقل في موضوعه وطريقة التعبير فيه, كما أنه لم يأتي بالقصة من أجل التحدث عن أخبار الماضين وتسجيل حياتهم وشؤونها – كما يفعل المؤرخون- وانما كان عرض القصة في القرآن الكريم مساهمة في الاساليب العديدة التي سلكها لتحقيق أهدافه وأغراضه الدينية التي جاء الكتاب الكريم من أجلها, بل يمكن أن تقول: ان القصة هي من أهم هذه الأساليب (2).
الكاتب: السيد مهدي الجابري
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
1- الطباطبائي, تفسير الميزان, ط مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة, ج2, ص308.
2- ينظر: السيد محمد باقر الحكيم, علوم القرآن, مجمع الفكر الاسلامي, ط السادسة 1433هـ, ص353.