بقلم: محمد علي الشيرازي
مع الدهور والأجيال، بات هناك عنصران متناقضان تقارعا بالحجة والبرهان، بين خضم المعترك الإنساني، تجسم الخير كله بأولهما، وتسربل الشر برمته بثانيهما، وأستمر هذا الصراع بأنفعال عنيف على مسارح الحياة وتلوين الظروف ، ومنذ الوجود حتى يشاء الله في إدماغ عنصر الشر وانتصار الحق بقدوم المنتظر عليه السلام.
من خلال هذا المعترك المتقد تظهر الحقيقة بوضوح من أعماق المجتمع الإنساني المطل بكله الى فضاء مشحون ببريق الشر والفساد، لعله يحول هذه الشظايا المحرقة الى أضواء هادئة ليمشي الفرد المعثر على هديه، وبعد أن أكدت التجارب الهائلة فشل محاولات هذا المخلوق الناقص لإستصلاح الوضع، فبقي هو ينتظر بعين ملية استقامة الأمور- بعد أن عهدها الى الزمان- على طبيعتها وسجيتها.
من عوامل فشل المجهود البشري في هذا الصدد هو تصلف عناصر الباطل ووقوفها حجراً للحيلولة دون انسياب آمال البشر نحو ذلك الرحاب المنير الذي يحلم به كل انسان عساه يتقي من لفحة الشر وسطوة الغرور.
منذ عصور نائية كافح المربون وجاهد المصلحون لخلق آفاق خيرية، وسعادة أبدية، لينعم المخلوق بحقوقه الطبيعية التي منحها الخالق وأقرها حقاً له في ظل المبادئ المقدسة والرسل المرشدين وخلفائهم من بعدهم.
ومن خلال انطواء صفحات التأريخ تعرض هذه الصفحات لنا واقع هذا الصراع البين، الذي شهده الزمان في الفترة الأموية السوداء، لقد خيمت شبحاً على قسم غير قصير من العصور الإسلامية، فعانى هذا القسم من الإهمال والهبوط لأداء واجب الرسالة الحقة، الى حد أخذت الأمة الإسلامية بالقهقري الى ما قبل شروق انوار الرسالة وأنذر المغول الأموي بهلاك الأمة وتحطيم وحدتها.
لذا كان حكمهم مفعم بالتنازع والإضطراب وخطر غار الى جذور الإسلام وأصوله، وكاد أن يقلع الفكرة الإلهية والشريعة السمحاء من أذهان المسلمين.
تمخض من هذا الوضع المتأزم، مبادئ ثلاثة متضاربة: مبدأ أموي جائر أثبت حكمه بالصوت والسوط وكانت هذه السياسة اساس حكمهم الأول، ثم العصبية وحصر الخلافة في البيت الأموي بالوراثة، وهذا اساس حكمهم الثاني الذي أرسوا عليه عماد نظامهم الباطلي، وقد انتابت الأمة الإسلامية وصفوفهم المتراصة من علل وأعباء أوشكت أن تصل الى الدمار والتخريب، في جو حكمهم الملبد بالظلم والفساد.
ثم مبدأ قبلي يروم اختيار أقدر افراد القبيلة.
ومبدء إسلامي يرمي الى أصلح أفراد الأمة للقيام بمهام مسؤولية الحكم.
جاءت النهضة الحسينية تعبيراً عن هذا المبدأ السماوي عندما أدرك رائدها أن كيان الإسلام قد اعتراه الأفول بمحاولات أموية لشل حركة دعاة الحق وخنق صدى دعوتهم وعقيدتهم، لبعث الحمأة الجاهلية من جديد.
همَّ الإمام الحسين عليه السلام) للقيام بالمسؤولية الخطيرة بصفته امام ليتحمل على كاهله اعباء الدعوة، ويلوح بمشعل الثورة الوقاد بكلتا يديه، لموكب المد البناء، واحياء التصور الإسلامي ، ونظامه السماوي الخالد، لإنقاذ الناس من الشقوة الجاهلية المبعوثة.
من هذه النقطة انطلق امام الأحرار بصوت الحق الهادر لدك سلطان الجبروت والطغيان، وتفتيت الحكم الأموي الجائر، إكمالاً بعمل الرسالة التي بدأ بها جده سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
تنفيذاً لهذا العمل المشرف ضحى عليه السلام) بكل شيء لديه قرباناً على مذبح الإنسانية والشرف، حتى نحره الطاهر ليروي بدمه السمح رمال الطف الضامئة ورمضاء كربلاء الجدب، لتستقي هذه البقعة منه وتأتي أكلها حين الأوان ثم تقطف ثمارها الأجيال تلو الأجيال ويتظلل بفيء أيكتها البشرية، ويعم خيرها العالم كله حتى قيام الساعة.