بقلم: لجنة نشرة الذكرى الدينية الثقافية
عندما يرتفع الشعور بمسؤولية المجتمع تظهر الطاقات على قدر المسؤولية، ولسمو الغاية وحاجتها الى مقومات تكون التضحية بأقصى حدودها، فإذا أعوز الأمر قدمت النفوس والدماء، لتعادل التضحية مستوى الغاية وما يتطلب وليكون الإقدام دليلاً هادياً للآخرين.
والإمام الحسين (عليه السلام) حدد نهضته في سبيل الإسلام وتطبيق نظام الإسلام، ولم يكف الإسلام لمصلحة فرد. إنما هو نظام الحياة وتطبيق أحكامه لمصلحة مجموع البشرية وقد نهض الإمام (عليه السلام) حيث رأى حاجة المجتمع إلى الإسلام، وأن العدول عن تطبيق الكثير من أحكامه أدى بالمجتمع الى تحلل وغفلة وتسيب، لها آثارها الإستمرارية إن لم يتدارك بتقويم.. فكانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) نذيراً لما بلغت إليه التحريفة، وتنبيهاً إلى ضرورة العمل لأصلاح الوضع إذ ذاك والرجوع به إلى طابع الإسلام الأصيل.. ومذ أن أريق الدم الزكي على أديم كربلاء.. استيقظ الناس من غفلتهم ودب الوعي وأرتفع لواء الإسلام خفاقاً يدعوا الأقرار من كل صوب للعمل من أجل الصالح العام والعودة بالنظام إلى الإسلام.
دعا الإمام الحسين (عليه السلام) الناس الى الالتحاق به نصرة للإسلام والحق والعدالة. وقد أعلن نهضته لإلقاء الحجة وإيقاظ الأمة.
1- بإيفاد مسلم بن عقيل الى الكوفة.
2- برسله وكتبه الى الأطراف.
3- بإستصحابه عياله وأطفاله وذويه.
4- بخروجه من مكة المشرفة أيام الحج بين تلك الجموع الغفيرة بعد أن خطبهم وعرفهم الحال وقرر مصيره.
5- بالمحاججات في كربلاء.
وقد زاد اعلان النهضة الحسينية ما ارتكبه اعداء الحسين (عليه السلام) في كربلاء من أفعال قاسية مثيرة.. من تمثيل بالشهداء (( الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه)) وسلبهم وذبح الاطفال حتى الرضيع وحرق الخيام على العيال وأسرها وسبيها ونقلها بصورة شجية قصد الشماتة من بلد الى بلد ورؤوس الشهداء امامها على الرماح.
فكأن الظالمين أرادوا بذلك إعلان المأساة على رؤوس الأشهاد حيث يكثر السؤال والبحث عن القتلى والأسارى وأسباب الحادثة المفجعة لينتهي الناس الى فهم الحال والمآل.
حدد الإمام الحسين (عليه السلام) غايته ونهضته في سبيل الإسلام في مواضع. عديدة منها وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ((إني لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق وهو خير الحاكمين)).
ومنها عندما ضايقه الحر وأصحابه - مقدمة عُبيد الله بن زياد - ومنعوه من المسير قبل وصوله كربلاء. قام الإمام (عليه السلام) خطيباً في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ثم قال (( أنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها وأستمرت، حذاء ولم تبق منها إلاَّ صبابة كصبابة الأناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، فأني لا أرى الموت إلاَّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاَّ برماً)).
وقول الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء محتجاً على الظالمين بعد أن أدلى بالبينات ((فسحقاً لكم يا شذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الآثام ونفثة الشيطان ومطفئ السنن أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون)).
كما وضحت الغاية والهدف من النهضة الحسينية لأصحاب الإمام (عليه السلام) لذا كانوا يتسابقون الى الفداء والتضحية. فمن جواب مسلم بن عقيل لإبن زياد في الكوفة ((ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتآمرتم على الناس بغير رضا منهم وحملتموهم على غير ما أمركم الله به فأتيناهم لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة وكنا أهل ذلك)).
وقد اجتمع اصحاب الحسين (عليه السلام) في ليلة العاشر من المحرم في خيامهم ووقف العباس بن علي (عليه السلام) خطيباً في بني هاشم يستحثهم على القتال وهو يقول (( إذا بدت شمس الغد من حجابها ورفرفها واندلع لسان الحرب أينا يتقدم في حومة الميدان ويصون الدين من براثن الغدر وانصار الشيطان…الخ)).
وفي الوقت نفسه اجتمع الأنصار في خيامهم وتكلم فيهم حبيب بن مظاهر الأسدي، وكلهم مؤمنون بنصر هدفهم، قائلاً ((إننا أمسينا هذه الليلة ولعلها آخر عهد بالحياة، وتركنا أهلنا وبطانتنا، وجلنا من سفوح مكة وربوع العراق، لم نتخذ من وراء ذلك اخداناً نرجوا عطفهم سوى نصرة الحسين والذود عن حمى الدين الحنيف. ألا وإن جيوش الضلال قد تجمهرت وأوشكت أن تغزونا، ونحن لا نريد أن نتخاذل فإنا معشر قد علمتنا الحروب كيف نخوض غمارها، وأضاء لنا الإيمان المتأجج في نفوسنا طريق الهداية والإصلاح، فلا نبالي إن قتلنا أو أكلتنا السباع الضارية في هذه الفلوات النائية ما دمنا على حق. ألا إنني أحيطكم علماً إذا أشرقت شمس العاشر من المحرم وبلغت الروح التراق وشبت لظى الحرب وأندلع نارها.. هل تدعون أحداً ليتقدم عليكم والله إن تقدم الهاشميون ورضيتم بالأمر لتقول الناس صحبوهم بالجهاد وافقوهم ولم يقدموا على أسيادهم… وأي عار أعظم من هذا. فكونوا قرباناً للدين حتى يكتب الله الشهادة والفوز)).
وما انتهى حبيب من كلامه حتى دوى الأنصار بالتكبير وبقوا ينتظرون يوم الاسلام الأغر يوم الجهاد.
لقد مضى الإمام (عليه السلام) في سوح الشهادة ولسان حاله:
إن كان دين محمد لم يستقم **** إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني
وإننا في إحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) نتصور الغاية الكبيرة التي استهدفها (عليه السلام) تلك مصلحة المجتمع البشري ونشر العدالة بتطبيق الأحكام الإسلامية فننحو نحوها ونسير على هداه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون.