أيها السادة: سيبقى يوم الأمام الحسين - سلام الله عليه - حديث الدهر الخالد، مهما رافقه من ألم محض، يحز في نفوسنا، ولوعة محرقة تدمي قلوب المسلمين قبل عيونهم، وذلك لما أطيحت فيه من دماء زكية، ولما ضحى فيه من نفوس أبية كريمة لصفوة مختارة استهدفت لسهام الموت ذوداً عن عقيدة ثابتة، ودفاعاً عن إيمان راسخ، صفوة عزيزة على الله وعلى نبيه، وسيبقى يوم عاشوراء جديداً لما حدث فيه من خروج على مبادئ الدين الحنيف ، وإنتهاك لحرمة سيد المرسلين، وهدم لقواعد العدل والإيمان، وعدوان صارخ على آل البيت الأطهار، وستبقى ذكراه الدامية الحزينة أنشودة الأحرار والأباة في كل زمان، وعنوان البطولة والفضيلة والشمم والأريحية في كل عصر، ورمز الأيمان والفتوة لذوي النفوس الشريفة والأنوف الحمية التي لا تقبل الضيم ولا ترضى بالباطل ولا ترضخ لجور جائر ولا تستقر وتستكين على ظلم وفساد.

كما وستبقى اللعنة أبدية ترافق الطغمة الجائرة الوضيعة التي سيطر عليها الشيطان فحلى لها الحكم الطارئ وأغواها الطمع والسيطرة المؤقتة فدفع بها إلى المهاوي السحيقة تلك الطغمة المشركة التي عدت على الحق بإعتدائها على الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الغر الميامين وتجاوزت على حرمات الإسلام، وحاولت دك دعائم الدين، ومحو شريعة الرسول الأعظم متدفقة وراء شهواتها الجامحة متراكضة ، يلفها العمى، نحو حب الدنيا الفانية والجاه المزيف والسلطة الزائلة متناسية مقام شبل حيدرة الكـرارعليه السلام والـحبيب الـرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وفلذة كبده فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام فجنت بعمل الأثم اللعنة والخزي والعار في الدنيا والآخرة والعذاب المهين وبئس للظالمين بدلا.

ففي هذا اليوم الذي أطل على الدنيا بروعة أدمت القلوب وهزت المشاعر وإستثارت كوامن النفوس، اليوم الذي ملأ الدنيا دوياً واستحال فيه النور إلى ظلمة إذ طغى فيه سلطان الباطل بانتصار مؤقت زائل وبغى فيه الشرك بعدوانه الأثيم وغدره اللئيم. في هذا اليوم الأغر سن لنا ريحانة الرسول سنة الآباء ، ورسم لنا دستور الحق وأوضح لنا النهج اللاحب الذي ينير لنا الطريق، ويفتح أمامنا السبل، ويوجهنا وجه الحق والعدل التي أرادها لنا الإمام عليه السلام) تركيزاً لمبادئ الإسلام وإحياء لشريعة النبي الأعظم لنكون أحرارً نهدف إلى الحق، نعمل للخير وأن لا نكون عبيداً أذلاء.

لنأخذ ( أيها السادة) من درس الحسين عليه السلام الخالد العبرة ولنستوحي من وحيه الأوحد الرفعة والعزة ولنهتدي بسني تعاليمه الرفيعة لننقذ أنفسنا من المهاوي والمهالك.

ولنحصل على كل ما ترومه الأمة الكريمة من حياة رغيدة، وهناء شامل، وأخوة صادقة تجمعنا في صعيد واحد لنعمل الخير ونقول الحق، ونسخط على الباطل وندعوا إلى توحيد الصفوف لتكون أمتنا مرهوبة الجانب يرتبط حاضرها بماضيها الزاهر، ولنواكب ركب الأمم الراكضة نحو سعادتها وإعلاء شأنها.

ولتغمرنا الغبطة إن تحدثنا عن الإمام الحسين عليه السلام وإن عطرنا أفواهنا بإسمه وبذكراه ولتغمر قلوبنا بالإيمان إن استعرضنا أيّة صفحة غراء من صفحات سيرته الوضاءة العطرة التي هي كتاب الدهر الأسمى، وسفر المجد الأسنى الذي لا يزول ما دامت الدنيا.

إن علينا أن نتـدارس نهضته الرفيعة القصد، ونستجلي مثل الإمام الأعلى وهدفه الأسمى، وغايته النبيلة، في مواقفه البكر التي قضى فيها على دولة البغي، وعصابة الشرك وطغمة العتاة الذين أصبحوا سبة الدهر على كل لسان، وأمثولة للعار والشنار، وحثالة لا تلتقي بذمهم الشفتان.

أيها السادة: يعز على الحسين عليه السلام، وقد أعاد للإسلام موقفه الرائع سيادته، ويعز على أبيه الذي قوم الدين بماضي حسامه الذي لعب في رقاب الخارجين على الدين، والعابثين بقدسيته، ويعز على جده الذي بعث لهداية الإنسانية، وإنقاذ البشرية من الضلالة فهدم الأصنام وأقام دعائم الإسلام ، يعز عليهم جميعاً أن لا ننتفع من هذه الذكرى وأن لانستفيد من هذه السيرة الزاخرة، وأن لا نتخذ منها تعاليم مدرسة يتخرج عليها كل من آمن بالحسين عليه السلام كي لا نبتعد في جميع أعمالنا عما قصده وهدف إليه، وأن لاندع لأنفسنا أن تسيطر عليها الأطماع فتندفع إلى هوة الشهوات السحيقة. فنمشي إلى الباطل قاصدين وننحرف عن الحق عامدين، وأن يكون لنا من ديننا الوازع، ومن ضميرنا ووجداننا الرادع لنقي لأنفسنا مما نحن فيه من هوان لايطاق. وذل لا يحتمل.

إن علينا أن نتمسك بتعاليم الحسين عليه السلام وبتعاليم جده ليحق لنا الإعتزاز بديننا والإعتزاز بإمتنا، ولينطبق علينا قوله عز من قال (كنتم خير أمة أخرجت للناس) والسلام عليكم.