بقلم: محمد احمد خلف الله / المدرس بكلية الآداب/جامعة فؤاد-مصر
أيها السادة: يسعدني واني بعيد الدار ان اشاطركم في هذه الذكرى العزيزة ذكرى الحسين بن علي (عليهما السلام).
ويسعدني وانا ابن العروبة ان اجد المثل الحي في شخصية الحسين بن علي (عليهما السلام) وان نجعل منه الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة.
ايها السادة: جرت عادة اولئك الذين يؤرخون للبطولة والابطال ان يقصروا الحديث على نفر بصفاتهم هم اولئك الذين ينهضون بأممهم بعد كبوتها ويأخذون بيدها لتصعد في سلم الرقي والنهوض درجات، ويهملون صنفاً آخر لا يقل عن هؤلاء مكانة حين نتحدث عن البطولة او نؤرخ للابطال. يهملون اولئك الذين يشعرون بالكارثة قبل ان تلم وبالمصيبة قبل ان تنـزل او تحيط فيصفون الداء ويباعدون بين الامة وبين ان تنحط وتنهار، يهملون اولئك ومواقفهم قد تكون ابرز واشد ضياء او شخصياتهم قد تكون اشد بأساً واكبر قوة بل قد يكونون المثل الحي والشخصية النادرة التي نتطلع الى امثالها في هذا الزمان.
ايها السادة: يحدثنا التاريخ ان عيون بني امية كانت على نفر من ابناء الصحابة تخافهم وتخشى بأسهم حين همت باخذ البيعة ليزيد. ونحس نحن من هذه الخشية او من ذلك الخوف ان هؤلاء من الابطال.
ويحدثنا التاريخ ايضاً ان هؤلاء النفر كانوا عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين بن علي (عليهما السلام) ونلمس قوة شخصياتهم من ذلك الخطاب الذي بعث به يزيد الى الوليد بن عتبة بن ابي سفيان والي المدينة والذي يقول فيه: ((اما بعد فخد حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير أخذا ليس فيه رخصة حتى يبايعوا)).
تلمس هذه القوة من هذه الكلمات لكن الاحداث وحدها هي التي تختبر الشخصيات فيما يقال.
فلقد مضى الزمن باحداثه ولقد سجل التاريخ مواقف هؤلاء ونعود فنلمس شيئاً آخر لعله اعنف واقوى مما تسطره هذه الكلمات عن بعض هؤلاء الابطال.
ومضى الزمن فتخلف عن البطولة عبد الله بن عمر حين قال ((اذا بايع الناس بايعت)).
ومضى الزمن ففر ابن الزبير بدينه ولاذ بالبيت الحرام.
ومضى الزمن والحسين بن علي هو الذي يقف وحده في الميدان حتى ضحى بنفسه واستشهد في سبيل الله.
ايها السادة: قد يلوم الناس الحسين (عليه السلام) لأنه لم يتداول الامور ولم يتدبر العواقب فضحى بنفسه ولكنهم في كل هذا مخطئون.
ان البطولة لا تقاس بمقدار ما يحققه الفرد من غاية او يصل اليه من نتيجة فذلك مقياس السياسيين التجار. وان البطل لا يسأل نفسه حين يقف الموقف الذي اختاره عن الغاية والوسيلة وانما يسألها فقط عما فيها من قوة ارادة وصدق عزيمة فان اومأت بالايجاب ضرب ضربته ولو عادى الاهل والعشيرة ولو خالف في ذلك جميع العالمين.
ولقد سأل الحسين (عليه السلام) نفسه فاجابت واستشارها فاشارت فوقف موقفه الذي ضحى فيه بنفسه من اجل المبدأ والعقيدة.
ايها الاخوان: لقد ضحى الحسين (عليه السلام) بنفسه دفاعاً عن مبدئه وايماناً بعقيدته وانه لدرس ينفعنا في هاتيك الايام الحوالك التي نتلفت فيها حوالينا فلا نجد بطلاً نلتف حوله ولا اماماً مصلحاً نقتدي به ونهتدي بهديه فليكن لنا من القدوة الحسنة وليكن لنا من تضحيته العبرة والذكرى ولننشد في الاحتفال به قول القرآن الكريم: {كتب الله لأغلبن انا ورسلي ان الله لقوي عزيز}. صدق الله العلي العظيم.