بقلم: الاستاذ بدوي احمد طبانه / استاذ الادب العربي بدار المعلمين العالية ببغداد
تمضي الايام، وتمر الشهور، وتكر السنون، والذكرى الخالدة، ذكرى الحسين، تتجدد فتبعث الاسى وتثير الشجون.
خطب أي خطب، خطب ينفطر له القلب ذلك الذي نزل بالمسلمين في مختلف الديار، ومتفرق الامصار فاعمل فيهم الكروب وادمى منهم القلوب، وقوض بنيان الامة المرصوص وقضى على الشمل الملتم، وطوح بالطود الاشم، الذي صدعوا صف الزمن شرقيها وغربيها وذل له ما استقصى وفتح له ما استفلق من الصياحي والحصون.
لم يكد يندمل الجرح الذي اصاب المسلمين بقتل باب مدينة العلم، زوج البتول وسيف الله المسلول، وهيهات له ان يندمل وانى له ان يلتئم حتى تواكلت الكلوم، واثخنتهم الجراح لقد التمس المسلمون العزاء في ابي الحسنين، بهذه البضعة الطاهرة زينة الدنيا، وهداة الانام في الحسن والحسين، في ريحانتي اكرم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم .
بقيت الريحانتان بقي الحسن والحسين، يضوع نشرهما فيعطر الكون، ويصل الشذا العبق الى قلوب المؤمنين المخلصين فيكون بلسماً لأفئدتهم الكليمة، وشفاء لجراحهم الدامية ! عزاء وامنية ما اعذبها. فالولد سر ابيه وظل المسلمون يعللون انفسهم بهذه البقية الكريمة، والاثاره الحبيبة يحرصون على هذا التراث الغالي، والوديعة الفريدة وينظرون الى المجد المذخور في طيهما، ويرون فيهما طلعة رسول الله، واشراق جدهما الكريم.
ولكن اكثر ايماض البوارق خلب، واذا هذا الامل الذي جهدوا في التطلع اليه والتعلق باسبابه وعشيت عيونهم في ارتقابه، تسطو عليه المحن، وتعبث به عوادي الزمن فيهوى احد الفرقدين وما طال به المقام.
وضلت الاعناق تشرئب الى اخيه ابي عبد الله الذي انحصرت آمالهم فيه ووقفت احلامهم عليه.
ولكن ترى ايسعدهم الزمن فيمكنهم من هذه الاماني العذاب؟ صحا المسلمون من هذه الاغفاءة اللذيذة التي عبرت كما يعبر الحلم اللذيذ، على الحقيقة المفزعة، على الفاجعة المروعة على الامل المرتقب على ابن بنت رسول الله، واذا الاستجابة للحق تحفزه فيلبي دعوة الحق والباطل، الى زياد العتاة الجبارين عن الغاية المثلى، والمبدأ القويم. فيخوض الميدان اشبه بالاعزل الا عن الحمية الملتهبة، والايمان الراسخ واذا ضربة من شقي فاجر تهوى على السبط الكريم فيجود بنفسه الزكية، وتصعد الروح الطاهرة الى ربها راضية مرضية.
خر ابن الزهراء، واحب البشر الى سيد البشر صريعاً على ايدي الرجال صرعة الحر الابي الذي عاف دينه السوم وابى له الدنية، وكره له ان يكون لعبة يتسلى بها طلاب العاجلة وعبردة الدنيا الغابنة، اولئك الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً.
عاد الطغاة مستبشرين فلقد نكلوا بقتيلهم، ومثلوا بعدوهم عدو الظلم والاستبداد، عودة الذئاب الضارية والوحوش الكسرة والقساة الظالمين. وما يظلمون الا انفسهم وما يشعرون وعاد المؤمنون العارفون، يعزي بعضهم بعضاً، فهم في الرزء سواء، وفي الخطب شركاء عالمين ان قد كتب للحسين الخلود والحياة على مر العصور وتتابع الدهور ولسان حالهم يقول:
يامن بمقلته زها الدهر **** زعموا قتلت، ومالهم خبر
ياقبر سيدنا المجن سماحة *** ما خبر قبر فيه شلوك ساكن
فلينبعن سماح جودك في الثرى *** واذا غضبت تصدعت فرقاً
واذا رقدت فانت منكبه *** والله لو بك لم ادع احداً
قد كان فيك تضاءل الامر *** كذبوا، وقبرك، مالهم عذر
صلى الاله عليك يا قبر *** الايمر بأرضه القطر
وليورقن بقربك الصخر *** منك الجبال وخافت الذعر
واذا انتبهت فوجهك البدر *** الا قتلت لفاتني الوتر
عودة الى امس الدابر، ونظرة الى اليوم الحاضر ترى هل أشر الزمان وهل عبث بذكرى الحسين الملوان؟ ان في هذا الحشد الحاشد امس واليوم لجواباً دونه كل جواب وفي هذا الجمع الزاخر الكريم فصل الخطاب.