كلما آن لنا ان نستعيد ذكرى استشهاد الحسين (عليه السلام) لابد لنا من استذكار الظلمة ووحشية الانسان من جهة وان نستذكر الايمان بالعدالة ومن الدفاع عن الحق والتضحية في سبيله من جهة اخرى.
وقد أجمع المؤرخون - الا من شذ منهم والشاذ لا يكون قياساً - ان سيدنا الحسين (عليه السلام) كان حريصاً على العدل واستقامة شؤون الدين واحقاق الحق والرأفة بالرعية وتحمل مسؤولية ادارتها وفق قواعد الشريعة السمحاء .
ولكن عندما قبض معاوية على ازمة الحكم في الشام فشق المسلمين على انفسهم وقف علي بن ابي طالب (عليه السلام) يريد وحدتهم ولم يكن غيره يؤيد وحدتهم ولم يكن غيره لهذه الوحدة وهو ابن عم الرسول وصهره وخليفته فلما مضى ذلك الدور وجاء دور الابناء كان يزيد بن معاوية اكثر استهتاراً بشؤون المسلمين وحقوقهم وكان الحسين بن علي (عليه السلام) قطب الوحدة ليس لها غيره ابى ان يقر يزيد وظلمه غير انه كان في حاجة الى عون المسلمين وقوتهم فلما دعي (عليه السلام) الى العراق جاء ملبياً واجباً دينياً ودنيوياً جاء لينقذ رسالة جده وابيه من عبث الطغاة وحينما بلغ تخوم الكوفة وعلم بما مكر الطغاة مع انصاره واعوانه وما اعدوا من قوات سدت عليه السبل لم تستهوه (عليه السلام) الحياة الدنيا فصمد لها والايمان بملأ قلبه العظيم بحق المسلمين. صمد ببسالة فصبر وتجلد الى ان دقت ساعة التضحية فتقبلها راضياً مرضياً. فكانت مأساة تركت في تاريخ العروبة والاسلام صحيفة سوداء لا تمحوها الايام اذ بدت وحشية الطغاة ازاء احفاد الرسول بافظع ما عرفته الانسانية في تاريخها ولم يرتدع اولئك الطغاة بحكم الشريعة التي نشر الويتها جد الحسين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا بما نقضي به الضمائر. اذ تناسى اولئك الطغاة بان آل الرسول جزء من الدين سيبقون كذلك ما دامت العصور ودام الاسلام وهو دائم ان شاء الله.
ولكن من المؤسف ان تمضي على المسلمين حقب لا يتعظون خلالها بهذه الذكرى المؤلمة في تاريخهم وان لا يتخذوا منها عبرة تجمع كلمتهم وتوحد صفوفهم ازاء الظلم والطغيان بل على عكس ذلك رأينا المسلمين يختلفون بعد حقب من هذه المأساة ويفرقون شيعاً وطوائف بحجة ما كان من امر هذه المأساة وان تدوم هذه الفرقة الى يومنا هذا دون ان ينتبه لا الحكام ولا رجال الدين ولا السياسيين ولا المثقفين الى اخطار هذه الفرقة او منافاتها لمبدأ تضحية الحسين (عليه السلام).
قلت ان المسلمين على اختلاف مذاهبهم يعتبرون آل البيت جزءاً من الدين بعكس غيرهم ممن حكموا المسلمين بعناوين مختلفة وفي ازمان وظروف وهل يحتاج هذا الامر الى دليل وكل مسلم كلما صلى قال ((اللهم صل على محمد وآل محمد)).
اما اختلاف الاجتهاد في التفرعات حسب ظروف المجتهد وزمانه ومكانه فليست مما تضير المسلمين وتؤثر على وحدتهم الاصلية التي قضت بها العقيدة الاسلامية وتناسق اصولها.
ولكن من المؤسف ان تدوم الفرقة بين المسلمين وان تستمد هذه الفرقة قوتها من وقايع تاريخية مؤلمة لا يسئل عنها الجيل الحاضر ولسنا نشك في ان مسببات هذه الفرقة في العصر الحاضر لا تعزى الا الى عناصر ضئيلة تربط منافعها الخاصة بعوامل موهومة تذكى بها نيران الفرقة خلاف ما يقضي به صالح المسلمين واوطانهم.
فكلما اتت ذكرى واقعة الطف اشعر بالم الفرقة واندفع بدافع هذا الشعور الى المناداة بالوحدة التي امرنا بها الله في قوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} فبحق دم الحسين الزكي ودماء الابرار الاطهار من آل البيت استحلف كل من يغار على الشريعة السمحاء وصالح العرب والمسلمين ان يحارب كل ((مفرق)) وان يعتبره دجالاً خارجاً على الدين مارقاً عاقاً لا يستحق من الامة الا الاحتقار والازدراء.
من العار علينا ان نقر في القرن العشرين ما افسد شؤوننا في العصور الماضية فترك لنا تاريخاً مملوءاً بالمساوئ والمآسي.
من العار علينا ان نتخاذل لمصلحة افراد وان نرضى بما ينشأ عن تخاذلنا من ضعف وما يؤدي اليه هذا الضعف من تأخر وتدخل في شؤوننا العامة.
لقد شكونا ولا نزال نشكو التأخر ولكننا لم نفكر الى الان تفكيراً صحيحاً بمسببات التأخر. ان ((الفرقة)) السائدة فيما بيننا وعدم ثقتنا ببعضنا وتحكيمنا العواطف والمصالح الشخصية في شؤوننا العامة والانانية المستقرة في نفوسنا كلها عوامل اساسية في تاخرنا، فسبيل التقدم هو ((الوحدة)) و((انكار الذات)) وايثار الصالح العام والتضحية وبتأثير هذه العوامل ناضل الحسين (عليه السلام) وتقبل التضحية الكبرى وما علينا الا ان نقتفي اثره عليه السلام فهل نحن فاعلون.