المواقف والقيم
إنّها مسيرة البشرية نحو العدالة والمساواة ونبذ الظلم والظالمين بكل طرقه وأساليبه.
وفي طيّات تلك المسيرة ترتسم وتتحرك القيم والمواقف المبدئية التي هي أساساً ربانية الوجود وإنسانية الخلود.
قيم ومواقف مبدئية للبشرية بمختلف تجمعاتها وأديانها الإسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية والعلمانية فجميعهم يقدسونها ويؤمنون بها.
مسيرة نهضة أمة
اقترب من أخيه الإمام.. وحدق في قسمات وجهه.. وكأنّه يودعها للفراق الأبدي.. فهو يعلم أنّه الفراق الذي ليس بعده لقاء في الأرض.. بل اللقاء القادم سيكون فقط في السماء!!
فسأله عن سبب خروجه من مدينة جدّه!!
فجاءه الردّ الواثق والراضي عن مشيئة الله تعالى: «شاء الله أن يراني قتيلاً…».
فأعاد سؤاله عن سبب أخذه للنساء والعيال.. فجاءه ثانية الرد الثابت المؤمن بإرادة الباري عزّ وجل: «شاء الله أن يراهن سبايا..»!!
فبدأت المسيرة.. مسيرةٌ نحو إعادة صناعة أمّة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بسكب دمه الطاهر!!
دمٌ لا يضاهيه أي دمٍ آخر في طهره وقدسيته.. أو أي شيء آخر في الوجود..!!
مسيرة تُعيد صياغة القيم والمواقف لكافة الأجيال القادمة.. حتى يحين فيض حفيده المخلص الأعظم بالخروج المقدس.
فكانت روائع المواقف والقيم ترسم للمستضعفين طريق الحرية الإلهية المقدس.
إيثار للنفس
بدى لهم أنه يريد أن يشرب الماء وهو الظمآن والمتفرد بالشريعة.. فأبى أن يرتوي قبل إمامه!!!
فسبقته سهام المنية قبل أن يرتوي.
وفاء للعهد
لم يغيّر المسير نحو قبيلة مناصرة بعد أن تم منعه من التوجه للكوفة.
فيغنم بتغيير الطريق وإلغائه لعهده للجيش المعتدي ألفي فارس من سيوف لا يُرجعها أصحابها لغمدها إلاّ بعد غرسها في أبدان الأعداء.
ورغم قلة الرجال والأنصار في جيشه القليل العدة والعدد.. لكنه للعهد والوفاء هو (العنوان).
حتى لو كان عهداً قطعه للأعداء..!!
المساواة
وضع خدّه على خدّ عبدٍ صحبه للعافية. عبد قدّم روحه شهيداً بين يدي إمامه وسيّده.
عبد كل ذنبه أنه أحسن عبودية الله ربه فأطاعه في عشق محبوبه.. وعشق حفيد محبوبه.. بعشق أبدي لحبيب الرب.
فلامس خدّ الإمام الشريف خدّ العاشق له.
مثلما لامس خدّ الإمام خدّ ابنه الأكبر وهو أشبه الناس خلقاً ومنطقاً برسول الله، وكأن لسان حاله يصدع للبشرية (لا فرق بين رابطة الدم والعقيدة إذا تسامى الهدف)!!
صيانة للعفاف والحشمة
قال الشهيد: «اقصدوني بنفسي.. فليس على النساء من جناح».
وهو مثخن بالجراح وبضعيف صوته يرفض أن يتخلى عن مسؤوليته في حفظ النساء والعفاف واعتزازاً وتثبيتاً للخدر وللحجاب.
وفي موقف آخر أسرع الإمام مهرولاً باتجاه أخته بعد أن أنزل ابن أخيه من على كتفه.. ليُرجع العقيلة إلى الخيام.
قربان للصلاة
قال: «.. ذلك هو أول وقتها».
إنها الصلاة.. فمثلها قاتل أبوه أمير المؤمنين على قيامها بمبادئها فقال قولته الشهيرة: «على مَ مقاتلهم»؟؟
وكرر ابنه الشهيد: «اسألوهم أن يكفوا عن القتال فقد حان أول وقتها».
وحتى في صلاته قدّم القربان.. أوفيت يا بن رسول الله؟؟ فأجابه: «بلى.. وأنت أمامي في الجنة».

مواقف الأبطال
أداء الأمانة وإرجاعها لأهلها
فوقف يحدّث أحدهم وهو محاط بالجنود من حوله: «إنّ لعليه ديناً في عنقي»، فخذ درعي وسيفي وبعهما واقضِ عني ديني.. لقد أوصى قبل أن يلقى حتفه من سطح قصر العمارة بإرجاع حقوق الناس إليهم.. إنها سجية أداء الأمانات وإرجاعها لأصحابها!!
استبصار الحق وأهله
قال: «والله لو أقتل وأحرق سبعين مرة ما تخليت عنك سيدي».
إنّ الإمام عليه السلام له روعة الرؤية والاستبصار للحق والتمسك بأهل الحق.. والتضحية بالنفس من دونهم.
فبرزوا ماجداً تلو ماجد ليستأنسوا بالشهادة كاستئناس الرضيع بدفء صدر أمه..!!
فضح للوشحية
قال: «خذوه واسقوه بأنفسكم إن خشيتم أن أشرب من فضالة مائه!!».
فسبقه سهم المنية وسقاه من حرارة الردى.
ففضحهم وفضح أهدافهم.. فضحى برضيعه ليرسم لنا لوحة تكشف ظلامة ووحشية الذئاب البشرية التي ما زالت منتشرة اليوم تشرب دماء الأبرياء.. تصطادها بالمفخخات وتقطّع الرؤوس وتأكل الأكباد.
فها هو عراق الإمامة.. وسوريا الكرامة.. ويمن الأصالة.. ولبنان المقاومة تهشّم أجسادهم وحشية لا تفرّق بين الأطفال والنساء والعجزة والأبرياء.. فتملأ الأرض من دمائهم البريئة!!
صمود وشموخ وتحد وإباء
رغم قسوة ظروف.. تقدمت بثبات محمدي، وبأس علوي.. وبلاغة فاطمية.. وكرم حسني.. وشجاعة حسينية.. لترفع الجسد المقدس وتخاطب ربها بكل اطمئنان ورضا وتتحدى جيش الأعداء (ربنا تقبل منا هذا القربان).
وبعد ذلك بأيام تهز كيان الطاغوت في ملكه وتتحداه في عرضه.. «وما أيامكم إلا عدد.. وما جمعك إلاّ بدد.. يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على القوم الظالمين».
فكانت العقيلة رمزاً للصلابة كأنّها تتحدى قهر الظروف المادية بصبرٍ قلّ نظيره في هذا الزمن الذي لا مثيل له..!!
فكانت نموذجاً فريداً للتضحية ورفض الاستبداد لم تعرفها الأمة من قبل.
وتتواصل المسيرة منذ بدئها بالروح والزخم نفسه وبالمواقف والقيم نفسها.
حتى يومنا هذا.. وإلى غدنا القادم.. مسيرة نهضة الإصلاح.. إصلاح محمدي.. علوي.. فاطمي.. حسني.. حسيني.. سجادي.. عباسي.. زينبي.
حتى المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وشرفنا الله بدولته العادلة.
الشعار العملي
قال: «ما خرجت أشراً.. ولا بطراً.. إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.. آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».. ليروي من دمائه الزكية الطاهرة شجرة الشهادة الخالدة.. فقال: «هوّن ما نزل بي أنه بعين الله».
لتوفّر تلك الشهادات المقدسة بأشكالها المتنوعة طريقاً للأمة الإسلامية ونماذج جديدة فريدة في الفداء والتضحية.
روح جديدة أرادها الله سبحانه ورسوله أن تتجسد في سبط رسوله لتسلكها البشرية من بعده حين تذوق ظلم الظالمين المتسلطين على رقابهم والعاملين فيهم بالقهر والاستعباد.. فيسلكون طريق أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام.
لقد ورث الحسين عليه السلام هذا الطريق من جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: «يا عم لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بشمالي على أن أترك هذا الدين أو أقتل دونه ما تركته»، ومن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام حين تعجب من انتشار الظلم قائلاً: «عجبت لمن لا يجد قوت يومه أن لا يخرج للناس شاهراً سيفه».
وتمضي الأيام وجمعنا ينتظر اليوم الموعود والخلاص المنشود.. بظهورك سيدي.. لتقيم العدل والمساواة والحق.. رسالة حملها قبلُ: أجدادك.. فكمّلها أنت بروحك المقدسة.
فيا أيها الإمام المنتظر عجل الله فرجك الشريف).. ذاك جدّك الإمام الحسين عليه السلام.. قد بدأ مسيرة استنهاض الأمة.. فزرع لها طوال طريق رحلته القيم والمبادئ والمواقف النبيلة.. وهي لن تكتمل بدوريها سيدي إلاّ بخروجك المقدس.. لتكمّل وحدك المسير والرسالة.. وتقيم دولة العدل والرحمة.
فسلام على الحسين.. وجميع من كان في رحل الحسين.. وطابت الأرض بدمائك الزكية.. سلام المؤمل به لمتابعة المسير.. وتشوقت البشرية والأرض لمخرجه المأمول.. سلام العاشقين لكم سيداي.