عندما نلاحظ أتباع الأديان السماوية في طقوسهم وممارساتهم الدينية، نجد أنّ اليهود التزموا مظاهر دينهم، وأهملوا تهذيب النفس وتطهير القلب.
وفي قبالهم النصارى انشغلوا بتصفية الباطن، وتركوا مظاهر الدين وعلائمه الخارجية.
لكن الإسلام اهتم بالظاهر والباطن وأكّد على الارتباط بينهما.
فقد حثّ على تزكية النفس وتهذيب الباطن، ومن ثمّ اهتمّ بالمظاهر والشعائر ولإعلاء راية الإسلام عالية خفّاقة.
فقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.[الحج:32]
والشعائر جمع شعيرة، وهي كل علامة ترشد وتدلّ إلى الله تعالى وطاعته.
فهي المعالم الظاهرة للحواس، والتي تدلّ على الدين الإسلامي وترشد الناس إليه.
وهنا يمكن القول أنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينية التي تذكّر الإنسان بالله تعالى وعظمته.
ومن الواضح أنّ تعظيم أهل البيت عليهم السلام وإحياء ذكرهم وإبراز الحزن عليهم هو مصداق للمودة التي أمرنا بها في قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.[الشورى:23]
ومصداق واضح لإحياء أمرهم الذي ندبنا إليه أئمة أهل البيت عليهم السلام في رواياتهم وأحاديثهم الشريفة.
فمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ الإِخْوَانِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ: «تَجْلِسُونَ وَتُحَدِّثُونَ؟»، قُلْتُ نَعَمْ: قَالَ عليه السلام: «تِلْكَ الْمَجَالِسُ أُحِبُّهَا فَأَحْيُوا أَمْرَنَا رَحِمَ اللهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا، يَا فُضَيْلُ مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ عَنْ عَيْنَيْهِ مِثْلُ جَنَاحِ الذُّبَابِ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ».(وسائل الشيعة:12/20)
إنّ المجالس التي أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام هي مجالس ذكر أهل البيت عليهم السلام، والحديث هو الحديث عن فضائلهم وذكر مناقبهم والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم.
فضلاً عن موالاتهم ومحبتهم والبراءة من أعدائهم وظالميهم وغاصبي حقّهم.
فمن هنا كان تعظيم أهل البيت عليهم السلام والمشي إلى مراقدهم لزيارتها وإبراز الحزن عليهم نوعاً من تعظيم الشعائر الإلهية المبرزة للدين الإسلامي والدالة على معالم الشريعة الإلهية.
والجدير بالذكر أنّ الآية الكريمة في حال المدح والتمجيد لمن يعظّم حرمات الشعائر الإلهية ويروّج لها، ومع أنها من الأمور العامة والعلامات الظاهرة والمبيّنة للدين الإسلامي إلاّ أنّها نابعة من الورع والتقوى وتطهير الباطن، وهو أمر معنوي يرجع إلى القلوب والنفوس.