شنتو أو شنتوية (بـاليابانية: 神道): ديانة ظهرت وتطورت في اليابان. لم تعرف ديانة الشنتو -والتي تركت أثرا بالغا قي التفكير الياباني- طريقها إلى الانتشار على غرار الديانات الأخرى. ليس لهذه الديانة تعاليم محددة، الشيء الذي جعلها تنفتح على العادات الدينية الأخرى بدون أن تؤثر هذه في خاصيتها وتأصلها الفريدين. الشنتو والتقاليد التي تلازمها ظلت دائما متواجدة في مظاهر الحياة اليومية اليابانية.

يصعب وصف الديانة الشنتوية لأنه وعكس كل الديانات الأخرى، لا يعرف لها مؤسس ولا معتقد تقوم عليه، لا يمكن أن نعرفها إلا عن طريق مجموعة من العادات والممارسات. عبر التاريخ نشأت وتطورت عدة فرق وطوائف تدعي كلها الانتماء إلى عقيدة الشنتو الأولية، ولكن أي من هذه الطوائف لم ينجح في أن يفرض نظرياته وادعاءاته.


التسمية

تم اشتقاق اللفظ "شنتو" (ويكتب باليابانية: 神道) من اللفظة الصينية للكتابة السابقة، وبما أنه يتم قراءة أغلب الحروف الصينية بطريقتين (الطريقة الصينية الأصلية والطريقة اليابانية المحلية)، فإن الكتابة السابقة يمكن أن تقرأ أيضا -على الطريقة اليابانية-: "كامي نو ميشي" -ومعناها طريق الآلهات-، ظهر اللفظ لأول مرة في مخطوطة "مدونات بلاد اليابان" أو "نيهون شوكي" (日本書紀) ح 720 م. ويظهر أنه قد استُعمل منذ فترة أزوكا لتمييز العادات والطقوس التي عرفتها البلاد قبل إدخال البوذية.

العهود القديمة

لازلنا إلى الآن نجهل الكثير على فترة الشنتو التي سبقت دخول البوذية إلى اليابان، رغم أن بعض الحفريات توصلت إلى العثور على بعض المستلزمات التي تدل بدون شك على وجود عادات وطقوس روحانية وسحرية تعود إلى فترة جومون.

هذه الطقوس القديمة يبدو أنها ترسخت أثناء فترة يايوئي مع دخول تقنية زراعة الأرز إلى اليابان. تطورت بعض الطقوس المصاحبة لزراعة الأرز مع التقويم الزراعي، تقوم على إحياء هذه الطقوس بعض النساء من العرافات (الشامانيات) واللاتي كن يقمن بالوساطة مع العالم الآخر كما يتنبأن بالحوادث المستقبلية. كانت العرافات تتمتعن بسلطة كبيرة، ثم تناقصت هذه مع بداية توحيد البلاد وهيمنة مملكة ياماتو.

في القرن الـ5 للميلاد، وأثناء فترة كوفون، صاحبت مرحلة تشكل وتنظيم السلطة الجديدة في البلاد، ظهور طقوس جديدة،، وضعت لكل مرحلة من مراحل حياة الإنسان طقوس معينة (الولادة، الرشاد، الوفاة). أهم هذه الطقوس تلك المتعلقة بالوفاة، كانت جنازة الأعيان تتم وفق طقوس معقدة وطويلة، ومن أهم الشواهد على هذه الطقوس الآكام الكبيرة من التراب التي اتخذت قبورا لهؤلاء الأعيان والتي لا زات ماثلة ليومنا هذا.


النصوص الأولى

لا يوجد مؤسس معروف لديانة الشنتو، كما لاتوجد كتابات مقدسة. تقوم أعراف هذه الديانة على مجموعة من الأساطير، الحوليات والأشعار: الـ"كوجيكي" (古事記) أو "وقائع الأحداث القديمة" ح 712 م والـ"نيهون شوكي" (日本書紀) أو "مدونات بلاد اليابان" ح 720 م، والتي تروي القصة الأسطورية لنشأة بلاد اليابان، كما تقوم بسرد نسب العائلة الإمبراطورية. بالإضافة إلى ذلك توجد العديد من الكتابات الأخرى على غرار "نوريتو" أو "الأحجار"، وبعض الأشعار الواردة في الـ"مان يوشو" (万葉集) أو "مجموعة العشرة آلاف ورقة" ح 760 م والتي قامت كلها بسرد العادات الدينية لليابان أثناء تلك الفترة.

هذه النصوص والكتابات وضعت بعد دخول البوذية البلاد. رغم محاولتها تقديم شهادات حية على عقيدة الشنتو الأصلية، إلا أنه لا يمكننا من خلالها العثور على كيفية تطور هذه المعتقدات. في الحقيقة جاءت هذه الكتابات وغيرها كردة فعل منظمة وموحدة مع دخول البوذية البلاد، كان هدفها إثبات صلاحية وتوافق معتقدات الشنتو في مقابل أو مع ما تدعو إليه البوذية. لم يكن البحث في تطور هذه العقيدة هدفها الأول.

العقيدة

على عكس الديانات التوحيدية الأخرى، لا يوجد في الشنتوية تعريف للمطلق، لا يمكن لأحد أن يدعي الصواب المطلق ولا الخطأ المطلق، الناس في طبيعتهم غير معصومين من الخطأ. تعتبر الشنتوية من هذه الناحية ديانة متفائلة، حيث تفترض أن الإنسان كائن طيب في الأساس، وأن الشر يقع نتيجة تدخل الأرواح الشريرة، وتنحصر أغلب العبادات الشنتوية في إبعاد هذه الأرواح الشريرة عن طريق تنقية النفس، الصلوات وتقديم القرابين للـ"كامي".

ليس لعقيدة التوحيد مكان في الشنتوية، فبسبب تعدد المظاهر التي يمكن أن تتجلى فيها القوى الإلهية، ربط اليابانيون بين كل ظاهرة وآلهة معينة، وأعداد الكامي لا يمكن حصرها، ويكن لأي شخص أن يعين آلهته الخاصة. لا يوجد في الشنتوية حياة بعد الموت، يعتبر جسد الشخص الميت شيئا مدنسا، تنطلق روح الميت، بعد أن تتحرر من جسدها المادي فتندمج مع قوى الطبيعة. يقوم أغلب اليابانيين عند تعرضهم لأمور متعلقة بالموت بتفويض أنفسهم إلى العقيدة البوذية.

الكامي

الكامي (神)، هي كل الأشياء والموجودات التي لا تنتمي إلى مجال التأثير المباشر للإنسان، كل ما هو غريب، عجيب، غامض ومريع. لا توجد للكامي أشكال محددة، كما أنها يمكن أن تتمثل في كل قوى الطبيعة (صخرة، شجرة أو حيوان).


آلهة الشمس "أماتيراسو أومي-كامي": لوحة خشبية للفنان الياباني أوتاغاوا كونيسادا ع(1786—1864 م)لم يتم تعريف أغلب الـ"كامي" ولا حتى تحديدها بشكل دقيق. بقوم كل تجمع بشري (عائلة، عشيرة أو قرية) يتحديد الـ"كامي" التي يرهبونها والتي يمكن أن ينتظروا منها أفضالا (مننا) من خلال حياتهم اليومية:

كامي البحر، الأمواج والعاصفة للصيادين،
كامي الجبل، الصخور، الثلج، الأشجار بالنسبة للحطابين،
كامي حقول الأرز، المطر، النمو بالنسبة للفلاحين،
كامي مفترق الطرق بالنسبة للمسافرين،
كامي البيت، المطبخ، البئر، الحرائق بالنسبة للقرويين،
كامي الأرض، الأنهار، الرخاء، العافية بالنسبة لجميع الناس.
على أن أشهر الـ"كامي" هي تلك المتعلقة بالعائلة الإمبراطورية، ومنها مثلا: آلهة الشمس "أماتيراسو أومي-كامي" (天照大神). تحكي الأساطير قصتهم، وتشهد بالأصول الإلهية لأباطرة اليابان. تم إنشاء أولى المزارات كـ"إيزي" و"إيزومو" لتقديس هؤلاء الـ"كامي".

لا توجد في اليابان طقوس لعبادة وتقديس الأسلاف، رغم أن بعضهم (الأسلاف) ممن توفى في ظروف خاصة، قد يتم تعريفه على أنه كامي، على أن الأسلاف ليسو كلهم كامي. الأباطرة القدماء مثلا، لم يكونوا محل تعظيم خاص: وجب انتظار فترة مييجي حتى يقام مزار خاص لأول الأباطرة الإنسيين "جينمو-تينو" (神武天皇)، المقام الثاني (مقام ميجي) تم إنشاؤه بعد رغبة شعبية وليس لاعتبارات دينية معينة.

المزارات
تنتظم مظاهر العبادة في الشنتو ضمن أفراد نفس المجموعة البشرية. يتم تبجيل وتعظيم الكامي الرئيس للطائفة "أوجي غامي" في مكان معين، ويكون على الأغلب خارج القرية أو التجمعات البشرية، يحدد المكان عن طريق أرواق خشبية (من رَوْقْ: الرواق المفتوح) أو الـ"توري" (鳥居)، ترمز هذه الأرواق إلى الخروج عن عالم الإنسان والدخول إلى عالم الكامي.

كانت هذه الأمكنة في البداية عبارة عن فسحة خالية مخصص للآلهة فقط، تم بعدها تحويلها تدريجيا إلى مزارات، توحي هندسة مباني هذه المزارات بأنبار الأرز (مخازن الغلال). يتم تبجيل الكامي الأخريات، في أمكنة متنوعة: تشكل الصخور والأشجار التي تحيط بالقرية حدودا رمزية لجغرافيا القرية، كما أن تقويم (الرزنامة) العادات والأعياد، الخاص بهذه الجماعة، ينظمان إيقاع الحياة اليومية.

تعتبر المزارات الشنتوية (وتسمهى بالمحلية جينجا) مكانا للعبادة ومقرا للكامي، أغلب الشعائر التي يتم تنظيمها هي ذات طابع احتفالي (ميتسومي)، وهدفها هو تعريف الكامي بالعالم الخارجي. يشرف كهنة الشنتو على الطقوس والشعائر، يعيش أغلبهم داخل المزارات. يستطيع أي رجل -أو حتى امرأة- أن يصبح كاهنا. بإمكان الكهنة التزاوج وإنجاب الأطفال. تقوم مجموعة من النساء في سن الشباب (ميكو) بمساعدة الكاهن في أداء الطقوس، وفي الأعمال الأخرى التي يقوم يشرف عليها، يرتدين لباسا أبيضا (كيمونو)، يتوجب عليهن أن يكنن غير متزوجات وغالبا ما يختارهن الكاهن من بين بناته.

العبادة

تتضمن العبادة في الشنتوية أربعة عناصر هي:

التطهّر والاغتسال: ويقوم بها الكاهن عندما يلوح بفرع من شجرة السيكاكي أو ورقة منها إلى رأس المتطهر.
تقديم القرابين: وتكون في الأغلب من الحبوب أو الشراب، ويتم اليوم تقديمها في شكل مبلغ من المال، وفي أسوء الحالات يمكن تقديم قرابين رمزية كأغصان شجرة السيكاكي مثلا.
الصلاة: ويقوم فيها الزائر تتقديم أمانيه ومطابه، وهذا مثال حي على هذه الأدعية:
«
أولاً وقبل كلّ شيء، هناك في حقلك المقدَّس أيُّها الاله المهيمن ليت حبة الأرزّ الأخيرة التي سيحصدونها، ليت الحبة الأخيرة من الأرزّ التي ستحصد، بحبات العرق المتساقط من سواعدهم، وتشدّ مع الوحل العالقين بالفخذين، ليت هذه الحبة تزدهر بفضلك، وتنفتح سنابل الأرزّ التي تتوق إليها الأيدي الكثيرة، فتكون أولى الثمرات في الشراب وأعواد النبات. »

الوليمة الرمزية: وهي إشارة إلى تناول الطعام مع كامي، وتتبع هذه الطقوس عملية تناول الساكي المقدس (الجعة محلية وتصنع من خميرة حبوب الأرز)، وقد يقوم بعض الزوار يعدها بأداء رقصات مقدسة خاصة بالمزار.
الشنتو عقيدة بسيطة ولا تطالب أتباعها بطقوس خاصة ومعقدة، ويمكنها أن تتعايش مع المعتقدات الأخرى، ويتمسك اليابانيون بهذه الطقوس ويعتبرنها جزءا من كيانهم القومي.

الطقوس والأعياد

لا يمكن للبشر التعايش بسهولة مع الـ"كامي". لكل منها طبعها الخاص، بعضها يتمتع بروح الدعابة، وبعضها ذو روح عاصفة. يمكن لها أن تكون كريمة وسخية في بعض الأحيان، قاسية وشريرة عندما تداس حرماتها. تنحصر أولى مهام المجموعة (الطائفة) في تنظيم الإطارين المكاني والزماني بحيث تتداخل فيها مجالات البشر والآلهة (الكامي) بأقل طريقة ممكنة، وضع الحدود، الضوابط والمحرمات والسهر على احترامها، ومن جهة أخرى تنظيم الشعائر.

توجد شعائر خاصة لحماية البشر من مظاهر غضب قوى الطبيعة (الزلازل، الجفاف، الفيضانات، الأوبئة، الحرائق..). وأخرى تهدف إلى استعادة التناغم بين الجماعات البشرية والكامي عندما يهدد ظهور القوى الطبيعية الفجائية في حياة الإنسان (المولد، الممات) هذا التوازن، وشعائر أخرى احتفالية (ماتسوري)، والتي تقام بشكل دوري مع كل موسم زراعي جديد وقبل مرحلة الجني والحصاد عادة، يتم فيها تبجيل الآلهة حتى ترضى وتعم بركتها على الموسم.




( لا أمن الا في دين واحد " الاسلام هو ديني")