حمام غرناطة .. البانيو
نشأة الحمام العربي
يستمد الحمام العربي أصله من الحمامات اليونانية والرومانية التي وجدها الفاتحون العرب في الشام. وقد طُوِّرت الحمامات على يد العرب واكتسبت طابعًا دينيًا بإلحاقها بالمساجد لتيسير أداء الأحكام الإسلامية الخاصة بالنظافة والطهارة، بينما كانت الحمامات الرومانية ذات مبان كبيرة. كما فضَّل العرب اقتناء حمامات صغيرة منتشرة في أماكن كثيرة من المدينة، وفي كلتا الحالتين أصبحت أيضًا أماكن للتعارف الاجتماعي.
حمام غرناطة أو البانويلو
ويوجد حاليا في غرناطة العديد من المنشآت التي تستخدم تقليد الحمام كمكان للقاء والاسترخاء، ومن أشهر هذه الحمامات حمام غرناطة .. البانيويلو El Bañuelo.
حمام غرناطة أو البانويلو El Bañuelo هو حمام أثري أندلسي، يقع بمنطقة كاريرا ديل دارُّو بغرناطة. بُني الحمام في القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي في عهد باديس بن حبوس المنتمي لعائلة بني زيري الملكية في غرناطة الإسلامية.
سُمي هذا الحمام بـ "حمام الجوزة" أو "حمام الجوز"، كما سمي في بعض الحقب بـ "حمام القصور"، وأيضًا "حمام باب وادي آش"، وهي بلدية تقع في غرناطة.
وصف حمام الجوز
ما زال حمام غرناطة محافظا على هيئته وأقواسه العربية، مع الإشارة إلى أنه يضم ثلاث صالات رئيسية، وفي سقفه شبابيك زجاجية على شكل نجوم ينفذ منها الضوء.
يتم ولوج حمام الجوز عن طريق فناء تتوسطه بركة مياه، تحتوي قاعة الحمام الرئيسية على رواق معمد على هيئة ممرٌ مَسْقوف ذا وظيفة حماية وزخرفة. يمر الرواق بثلاث جهات للقاعة الرئيسية مصحوبا بأقواس على هيئة حدوة الحصان. تقف الأقواس على أعمدة ذات تيجان مأخوذة من مآثر عمرانية قديمة ليعيد استخدامها في بناء هذا الحمام.
قاعات حمام غرناطة
بالإضافة للقاعة الرئيسية، يعرف الحمام قاعتين إضافيتين: تقع الأولى مباشرة بعد اجتياز مكان حفظ الملابس. أما الثانية فبعد القاعة الرئيسية اتِّباعا للنمط العام الذي تتبعه الحمامات (غرفة باردة ثم غرفة دافئة ثم غرفة ساخنة).
تحتوي هذه الأخيرة على نظام حراري، تحت أرضي لتسخين القاعة بشكل جيد، بالإضافة لخزانين لحفظ وتزويد المكان بالمياه. يحتوي الجزء الخلفي للمبنى على ملحق للقاعة الثالثة وهو عبارة عن غرفة دون سقف حاليا تضمنت، في ذلك الوقت، نظاما للتسخين.
تحتوي جميع القاعات على فتحات أو نوافذ صغيرة، مثمَّنة الزوايا، وأحيانا على شكل نجمة لتسهيل التهوية وتنظيم تكييف الهواء. كانت تُقفل بقطع زجاجية متعددة الألوان في السابق.
صالات حمام غرناطة
تتكون صالات حمام غرناطة من ثلاث صالات: هي صالة حارة، وأخرى معتدلة الحرارة، والثالثة باردة. وما إن يدخل الزائر إلى الصالة الحارة حتى يسمع صوت غليان الماء الحار وهو ينفث البخار، وكل ذلك من خلال الصورة والصوت والضوء مع إيهام الزائر بالحرارة. أما في الصالة الثانية المعتدلة فينبعث صوت المياه الجارية، حتى إذا وصل الزائر إلى الصالة الثالثة الباردة، اختلطت الوسائل الفنية الثلاث لإشعار الزائر بأن الصالة باردة حقا.
حيطان حمام غرناطة
تم تشييد حيطان حمام غرناطة باستعمال طبقات سميكة من ملاط الجير والرمل و الماء لعزل الحمام بشكل جيد عن حرارة محيطه الخارجي.
ترميم حمام غرناطة
بعد دخول قوات الملكة إيزابيلا الكاثوليكية مدينة غرناطة بجنوب إسبانيا عام 1492م، بدأت حملة تدمير الحمامات العامة في مملكة غرناطة الأندلسية، ولم يسلم من هذه الحملة إلا القليل، ومنها حمام غرناطة المعروف باسم "حمام الجوز". ولكن في العصر الحديث انتبه المؤرخون والمعماريون إلى أهمية هذا الأثر التاريخي، فأعيد له الاعتبار. وفي عام 1918م تقرر إدراجه ضمن قائمة الآثار الوطنية التي يتوجب المحافظة عليها، وتولى المعماري الإسباني توريس بالباس الإشراف على عملية ترميم الحمام.
وقد بوشر في الفترة الأخيرة تطبيق المشروع المعماري الفني المتعدد الوسائل، الذي يعتمد المزج بين الضوء والصورة والصوت داخل الحمام، وهو من إعداد الفنانين خافيير ميلغار وخافيير آلامو، بغية إحياء هذا الأثر القديم وإضفاء الروح الفنية عليه.
وكان الفنانان ميلغار وآلامو قد درسا تاريخ إنشاء المكان ومهمته، وأجريا زيارات عديدة إليه لقياس أبعاده وتصويره، ليعدا هذا العمل الذي يمزج بين الفن والعلم. وفي تصريح له، قال ميلغار: "لقد اخترنا هذا المكان التاريخي الذي بني في القرن الحادي عشر من أجل بعثه من جديد من خلال عمل فني تكنولوجي معاصر في القرن الحادي والعشرين".
من جهة ثانية، أبدى بيدرو بينثاس المستشار الثقافي في الحكومة المحلية لإقليم الأندلس بجنوب إسبانيا، إعجابه الكبير به، قائلا إنه ".. هذا المشروع ينطلق من الجو الداخلي للمكان، لكي يصور لنا تصويرا حيا حضارة مدينة غرناطة وتاريخها. ولجدارته وأهميته، حصل على مساعدة وتشجيع كلية الفنون الجميلة في جامعة غرناطة".