تعريف القانون الدستوري وفق معايير الفقه الدستوري
( المقدمة ، المعيار اللغوي ، والمعيار الشكلي ، والمعيار الموضوعي )
إن مصطلح القانون الدستوري مشتق من اللغة الإيطالية ، لأن الـ Diritto Constitnzioale كان قد درس لأول مرة في إيطاليا عام 1797 ، وبالتحديد في مدن إيطاليا الشمالية .
وبعد ذلك دخل مصطلح القانون الدستوري Droit Constitutionnel إلى فرنسا ، حينما تقرر عام 1834 تدريس مادة القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة باريس ، وكان ذلك في عهد الملك لويس فيليب ( 1 ).
ولم يعرف اصطلاح القانون الدستوري في مصر قبل عام 1923 . ذلك أن قبل هذا التاريخ ، كان يطلق على القانون الدستوري تسمية ( القانون الأساسي ) أو ( نظام السلطات العمومية ) . وبصدور الدستور المصري لعام 1923 ، عرف اصطلاح القانون الدستوري ( 2 ).
وفي العراق ، وحتى عام 1936 كانت مادة القانون الدستوري تسمى بـ ( الحقوق الدستورية ) ، وهي ترجمة حرفية للمصطلح الفرنسي ، مع فارق ، أن كلمة حقوق جاءت بصيغة الجمع في المصطلح العربي ، بينما هي بصيغة المفرد في التسمية الفرنسية ( 3 ).
ومنذ عام 1936 ، استخدم مصطلح القانون الدستوري بتأثير من الأستاذ الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري ، حيث أدخل في تلك السنة إصلاحات مهمة على دراسة القانون في العراق .
وبعد ما تقدم ، نتساءل : ما المقصود بالقانون الدستوري ؟ . لقد تعددت الإجابات عن هذا التساؤل ، بتعدد المعايير التي طرحها الفقه ، وأهمها : المعيار اللغوي ، والمعيار الشكلي ، والمعيار الموضوعي .
أ-المعيار اللغوي :
إن تعريف القانون الدستوري على أساس لغوي ، يكون بالبحث في الأصل اللغوي لكلمة ( دستور ) توصلاً لتعرف اصطلاح ( القانون الدستوري ) .
والراجح إن كلمة " دستور " لغةً تعني الأساس أو التكوين أو التنظيم .
وإذا ما فهم الدستور بمعنى النظام الأساسي ، فإنه من الناحية اللغوية على الأقل ، لا يمكن قصره على دستور الدولة ، ذلك إن كل جماعة إنسانية تتمتع بشيء من الاستقرار، كالنقابة أو الشركة التجارية أو الحزب السياسي ، لها دستورها الذي يبين نظامها الأساسي ويشتمل على طريقة نشأتها والقواعد المنظمة لسيرها .
وبالرغم من ذلك ، أصبح مستقراً إن اصطلاح الدستور ، يقصد به في المجال القانوني ، دستور الدولة .
ولكن ، ماذا يعني القانون الدستوري طبقاً لهذا المعيار اللغوي ؟ . يمكن الإجابة عن هذا التساؤل ، بالقول ، أن القانون الدستوري يشمل مجموعة القواعد القانونية التي تتعلق بالدولة في أساسها وتكوينها وشكلها .
وتتسع تبعاً لذلك ، دراسة القانون الدستوري لتشمل فضلا عن القواعد المتعلقة بالسلطة السياسية وتنظيمها ، كل ما يتعلق بنظام السلطتين الإدارية والقضائية ، باعتبارهما من السلطات العامة في الدولة ، كما تشمل القواعد الأساسية التي تحكم مختلف الجماعات الإنسانية المكونة لشعب الدولة .
ويبدو أن الدساتير المكتوبة قد أخذت بالمعنى اللغوي للقانون الدستوري ، ذلك إن أعلب هذه الدساتير تحوي نصوصا تتعلق بالسلطات الثلاث : التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية . بالإضافة إلى نصوص تتعلق بالتنظيم الإداري للدولة ، وأخرى تحدد القواعد الأساسية المتعلقة بالجنسية .
ب-المعيار الشكلي :
ينظر هذا المعيار إلى الشكل لتعرف القانون الدستوري ، والمقصود بالشكل ، وثيقة الدستور وما تضمنته من نصوص وأحكام ، والجهة التي أصدرتها ( 1 ).
لذا فإن القانون الدستوري هو عبارة عن : " مجموعة القواعد الأساسية المنظمة للدولة والتي صدرت في شكل وثيقة دستورية من السلطة المختصة بذلك " ( 2 )، أو هو : " مجموعة القواعد التي تضمنتها الوثيقة المسماة بالدستور ، والتي توضع وتعدل بعد إتباع إجراءات خاصة تختلف عن تلك التي تتبع في وضع وتعديل القانون العادي " ( 3 ).
ويكون القانون الدستوري – طبقاً للمعيار الشكلي – هو : الوثيقة الدستورية ذاتها بما تتضمنه من قواعد وأحكام .
ويترتب على ذلك وجوب اعتبار كل قاعدة منصوص عليها في صلب هذه الوثيقة الدستورية ، بينما لا تعتبر كذلك كل قاعدة لم تتضمنها هذه الوثيقة حتى لو كانت من حيث طبيعتها أو جوهرها قاعدة دستورية .
ويخلص الفقه الدستوري تبعا لما سبق إلى إن القانون الدستوري يكون طبقاً للمعيار الشكلي هو الدستور المطبق فعلاً في وقت معين وفي دولة معينة ، والمدون في وثيقة رسمية تسمى " الدستور " .
إلاّ إن التعريف الشكلي للقانون الدستوري لم ينل موافقة أغلب الفقه ، الذي انتقده من جوانب عدة :
-إن هذا التعريف لا يصلح في حالة الدول التي ليس بها دستور مكتوب ، حيث يسودها دستور غير مكتوب ( دستور عرفي ) كالدستور البريطاني .
-فضلا عن أنه لا يعد تعريفا جامعا مانعا للقانون الدستوري من الناحية الموضوعية ، حتى في الدول ذات الدستور المكتوب . فهو غير جامع لأن بعض القواعد الدستورية ، كتلك المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان توجد خارج وثيقة الدستور . وهو غير مانع لأن بعض القواعد التي تتضمنها هذه الوثيقة لا يتعلق بنظام الحكم في الدولة ، وكان يجب أن تجد مكانها خارجها لولا ما قدره المشرع من أهميتها . وذلك كالنص المتعلق بتنظيم ذبح الحيوانات في الدستور السويسري لعام 1874 ، والنص على اعتبار التربية الدينية مادة أساسية في مناهج التعليم العام في الدستور المصري لعام 1971 ( م 19 ) ( 1 ).
ج-المعيار الموضوعي :
يأخذ أغلب الفقه الدستوري ، في تعريفه للقانون الدستوري ، بمعيار موضوعي . فيعرفه بالنظر إلى مضمون أو موضوع قواعده ، وذلك دون النظر إلى الشكل أو الإجراءات المتبعة لتقرير قواعده ( 2 ).
وعلى ذلك يمكن القوا بأن القانون الدستوري يتضمن مجموعة القواعد والأحكام المنظمة لمسائل ذات طبيعة دستورية من حيث جوهرها ، سواء وردت هذه القواعد في الوثيقة الدستورية المسماة بـ( الدستور ) ، أو لم ترد فيها بأن تقررت بمقتضى عرف دستوري ، أو وردت في قوانين عادية .
ولكن ما هي تلك المسائل الدستورية من حيث الجوهر أو الموضوع ؟ بمعنى ما هي تلك القواعد التي يمكن وصفها بأنها قواعد دستورية ؟ .
أجاب الفقه عن ذلك ، بأن القواعد التي تعتبر دستورية من حيث طبيعتها وموضوعها ، هي تلك القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة : فتبين سلطاتها العامة من حيث تكوينها واختصاصاتها ، وتحدد العلاقات التي تربطها ببعض وبالأفراد .
فقواعد القانون الدستوري هي التي تبين شكل الدولة فتحدد ما إذا كانت دولة موحدة بسيطة أو دولة مركبة أو اتحادية ، وتبين نظام الحكم فيها ومدى قيامه على الديمقراطية المباشرة أو النيابية ، والسلطات العامة وكيفية تكوينها وما تختص به ، وعلاقاتها ببعضها ومدى استقلالها أو تعاونها حسب التفسير المأخوذ به لمبدأ الفصل بين السلطات ( 1 )، وما يترتب عليه من تنوع الأنظمة إلى : نظام برلماني ونظام رئاسي ونظام جمعية ، وهي التي تحدد كذلك العلاقة بين الفرد والدولة ، بما تنطوي عليه تلك العلاقة من حقوق و واجبات الفرد تجاه الدولة ، وحقوق و واجبات الدولة تجاه الفرد ( 2 ).