وين ما وين
وين ما وين
شباب سأستأنف الكتابة قريبا بإذن الله ، أعتذر لانشغالي ، محبتي
أصدقائي المعنيين بالجمال ، أسعدتم أوقاتا ، اليوم استأنف كتابة بعض الإضاءات المتعلقة بدرسنا النقدي الدائر حول ماهيّة الشعر وكيفيات قراءته وإنتاجه ، وسأبدأ من حيث انتهيت فيما يتعلق بإطار نظريتي الأدب والنقد ، إن الفارق بين نظرية النقد ونظرية الأدب يشبه تماما الفارق بين دراسة خواص المادة وبين ماهيّة المادة من حيث وجودها ، فلو أخذنا على سبيل التمثيل الماء بوصفه مادة ، فالحديث عن تاريخ وجود الماء وممن تتألف عناصره هو أمر متعلق بنظرية الأدب - إن صحت المقاربة - أما الحديث عن كيفيات الإفادة من الماء وانعكاساته على الحياة بكل تفاصيلها هو أمر متعلق بتحليل هذه المادة وكيفية اشتغالها على الصعيد الواقعي والعلمي الملموس ، وهذا ما يمكن حصره بوظيفة نظرية النقد ، ولو صعدنا قليلا في المثال ستستوي لدينا المقولة الآتية : نظرية الأدب تعنى بالأجناس أو الأنواع الأدبية من حيث تاريخها وكيفيات تشكلها ، أما نظرية النقد فمعنية بكيفيات انعكاس هذه الأجناس على المدونة الأدبية وكيفية قراءتها قراءة متفحصة بما يتعلق باشتغالها نقديا ، ويمكننا الآن التفريق بين النص وبين آلية قراءة النص وتفحصه ، فوظيفة نظرية الأدب متعلقة بكل ما يخص النص تاريخا وتشكلا ونظرية النقد متعلقة بالآليات التي تحكم تشكل هذا النص ، وهذا واضح من التسمية ( أدب / نقد ) ، على الصعيد العملي لا يخلو الأمر من بعض التعقيد لكون الحقلان يلتقيان ويشتبكان توزعا على بعض القضايا التي تحتاج إلى تفصيل ، لسنا بصددها في هذا الموضع بقدر ما نريد أن نضع ملامح عامة للحقلين ، عطفا على هذا التعقيد سأبدأ بقاعدة متوزعة بين الحقلين وتميل أكثر إلى الحقل الأول ( نظرية الأدب ) وهي قاعدة شارحة لكيفيات القراءة العامة لا المخصصة ، كيف يقرأ الأدب ؟ قبل الشروع بتمفصلات هذه القاعدة أود أن أقف على حقيقة الأدب أولا ، تحدثت فيما سبق عن كونية الأدب وأشرت إلى بواعثه التي تمنحه هذه الرتبة والميزة ، القول بالأدب يتضمن الحديث عن كل مظاهر الأجناس الأدبية : شعر - سرد - نثر - مسرح - مقالة - رسائل - مقامات ... الخ وإذا ابتعدنا قليلا نجد هذا الملمح في الموسيقى والتشكيل والرسم والنحت والتمثيل والغناء ، الآن لنبحث عن الرابط بين هذه المضامين الجمالية ، والرابط بين هذه القيم الجمالية هو كل ما يتضمن رسالة خطية ( مكتوبة ) أو خطابية ( مسموعة ) أو إشهارية ( مرئية ) تؤدي وظيفة قيمية خارج ماهو نفعي وتوصيلي وقريبا مما هو تأثيري ، سأبدأ بمثال متعلق باللغة لتقريب الأمر ، لو قلت لأحدهم : قد تكون مؤذيا عندما يؤذيك الآخرون !!! هذه الجملة جملة نفعية توصيلية لا يمكن عدها أدبا ؛ لأنها لم تحمل في نفعيتها على ما يجعلها مميزة من حيث الفرداة والعمق ، سأعيد صياغة الجملة بنسختها الأدبية على لسان الشاعر الكبير عبد الأمير جرص ، يقول جرص : وأنتَ منكسرٌ تجرحُ أكثرَ أيها الزجاجُ !!! لقد تحولت الجملة إلى أدب بامتياز عبر تقنيات الأسلوب والمظاهر البلاغية الأخرى مما أكسبها قيمة بلاغية مؤثرة ، عوضنا ما يؤذي بالانكسار ومن ثم عقدنا بروتوكولا مع مفردتي الزجاج والجرح وهذا يدلل على القيمة التركيبية للجملة بما يمكن أن نطلق عليه بالاتساق وبما تحيل عليه هذه الحالة في الواقع المعاش ... هذا هو المظهر الأدبي ببساطة وهذا ينعكس على سائر المضامين التي استحضرتها ... لاحقا سأقف على كيفيات القراءة العامة ... يتبع
..
أتابع جدا ..
هائل .. ملتزم بالمتابعة
متابع .. متابع .... شكراً دكتور
بنهم ... أُتابع .. وبه أشكرك دكتور ..
متابعة متابعة ... ومستمتعة بذلك البيان
تقديري
يتعلق الأدب بكل ما يحدث قيمة استثنائية في المنظومة القيمية للجمال ، وتقاس درجة ومستويات الأدب بمدى جماله ، ويكمن هذا المفصل الذي يبدو - ظاهرا - قابلا للمسك والتحديد بكيفية التفريق بين ماهو جميل وبين ماهو عكس ذلك ، الأمر يشبه مدى اقتراب الاشتراطات التي وضعها أفلاطون لمدينته الفاضلة ، على أن يويتوبيا ( المثل ) أفلاطون متعلقة بالنظرة العامة لكل ماهو جميل وواقعي ، لكن عقد صفقة التمثيل بينهما سيجعلنا قادرين على الانفتاح على مديات هذا الجمال والوقوف على طبيعته ، لقد طرد أفلاطون الشعراء من جمهوريته ؛ لأنهم ذوات متخيلون ، أي أنهم يستمدون موادهم الجمالية من المخيال الذي يوفرونه لنصوصهم الشعرية ، وهكذا فهم بعيدون عن الواقع ، ورغم أن هذه الخصيصة ( المخيال ) داخلة في إنتاج النصوص الأدبية لكنها غالبا لا تحيل على كل ما يقال ، فهناك نماذج تبدو واقعية وعملية وتمس الحياة الطبيعية للإنسان ، إلا إن ما يدخل ضمن قائمة المتخيل هو التلاعب اللغوي والمادي الذي يخلقونه الشعراء من أجل خلق حالة عصابية من التأثير على القارئ ، وكل ذلك يتم على وفق تقنيات اللغة وطاقاتها اللامحدودة في أسر وصدم وإدهاش الآخر المتلقي ، ولعل قوله تعالى ( يقولون ما لا يفعلون ) مصداق لتلك المظاهر المتعلقة بالمبالغة والتخيل عبر استثمار هذه المضامين الباعثة على التأثير ، وحتى لا ننأى بعيدا ، يقسم أفلاطون الجمال إلى : ذاتي وموضوعي ، وللتذكر فإن هذين الملمحين سينطبقان على كيفية قراءة النصوص ، ولكنا سنصوغ الأمر فيما يتعلق بالقراءة على هذا النحو : تقرأ النصوص عبر الذاتي والموضوعي ، الذاتي هو ما لا يمكن الاختلاف على جمالياته ، أي النص في الحالة الذاتية يكون منفتحا على خصائص جميلة متعلقة بالمادة نفسها وهنا لا يمكن الاحتكام في قراءة النص للذوقي والكيفي ، على عكس الموضوعي الذي يمكن أن نختلف بشأنه من خلال المخزون المعرفي والثقافي والذوقي كلا حسب رؤيته الخاصة ، ما يمكن أن يراه س جميلا ليس بالضرورة أن يراه ص كذلك ، وهنا يتوجب علينا القول أن قراءة النصوص على وفق الموضوعي لا يمكن الاعتداد بها على الصعيد النصي الذي يرى في النصوص جمادات تركيبية من شأنها أن تكشف عن قوانين مجردة لوصف الظواهر الداخلة في تركيبها ، وهذا الأخير متعلق بالجانب الذاتي الذي يحمل جمالا داخليا لا يمكن الاختلاف في جوهره ، أضف إلى هذين المظهرين في القراءة هناك مظهر آخر هو من متبنياتي وهو المظهر النسقي ، وهو الملمح الأكثر خطورة في قراءة النصوص وبيان طبيعتها الجمالية ، والنسق هو مجموعة القواعد التي يتواضع ( يتفق ) عليها الناس عبر الزمن لتكون فيما بعد اشتراطات تحكم أذواقهم وتوجهاتهم الجمالية ، وحتى لا يظن أن النسقي يمكن أن يشابه الذوقي نقول إننا في حالة النسق لا يمكننا أن نكون أحرارا فيما نقرر رغم أن الأمر مجرد على صعيد التقعيد له ؛ لأن مجموع الأفكار التي يكتسبها الفرد في منظومته السوسيولوجية ( الاجتماعية - النفسية - التاريخية ) لا يمكنه الانفكاك عنها بسهولة ولهذا فهي تؤثر على قراءته للنصوص ، لنسوق أمثلة على ذلك ، مثلا : الفرد المتدين لا يمكن أن يقرأ نصا شعريا ملحدا ، الفرد المنفتح لا يمكن له أن يتعاطى مع نص ملتزم أو ديني أو عقدي ، الفرد اليميني لا يتقبل النص اليساري وهكذا دواليك ، على هذا الأساس تفقد النصوص الأدبية قيمتها من خلال ما نؤمن به ونعتقد أنه صواب ، والحقيقة أن الأدب لا يمكن أن يقرأ بهذه الطرائق ، بل يقرأ على أساس أنه مادة مجردة وصفرية لذاتها احتكاما إلى المادة التي تتألف منها ، وهنا علينا أن نشير إلى قراء مختصين قادرين على الفرز والخصخصة والتشخيص بين الغث والسمين من النصوص ، وعزاؤنا في ذلك هو المعيار النصي القائل بالكيفيات لا الماذويات ( المعنى ) ، من هنا يتعين علينا أن نخلع على القارئ أولى مظاهر اشتراط القراءة وهي أن يكون مجردا في استقباله للنصوص ومن ثم عليه أن ينفتح على طاقة إطلاع ومخزون قرائي موسع ليتمكن من التخلص من الذوقي والموضوعي والنسقي ... يتبع
التعديل الأخير تم بواسطة فوبـــيا ; 26/January/2017 الساعة 8:56 pm
روووعة. . لكن صعب على غير المختص سراج .. بسط ... و لي عودة لاحقاً لمناقشة ما ورد .. محبتي