موقفٌ حدث معي أثناء زيارتي اليوم الى معهد النور لتعليم المكفوفين في بغداد ، إلتقيت بإثنين من أصدقائي (محمد وأحمد) ، أخذنا نتجول في أنحاء المدرسة (معهد النور) ونتذكر أيام دراستنا الابتدائية فيها ، ومن الطبيعي بل والواجب علينا زيارة مَن بقيَ مِن معلمينا والسؤال عنهموفعلاً فعلنا ذلك.
خلال توجهنا لِلقاء معلمة الرياضيات (الست إسراء) التي كانت تدرّس في إحدى شُعَب الصف الثاني الابتدائي ، دخلنا الشعبة وسلمنا عليها وقدمتنا الى التلاميذ الصغار وطالبتهم أن يكونو مثلنا مجتهدين كي يتخرجو مِن الكليات ، هنا تكلم صديقي محمد بصوتٍ منخفض قائلاً "شنو الفايدة ست تخرجنا بس ماكو تعيين" فهمستُ بأُذنِهِ مؤنِّباً إياهُ "ولك يمعوّد ليسمعوك الجهال وبعد ميقرون" فأجابني "يابة شكلت غير هاي الحقيقة" ، انتبهت المعلمة الينا وحاولت رفع معنوياته، أما أنا فخاطبتُ التلاميذ "يلة اقرو حتى تصيرونا مثلنا" .
لم أُعِر اهتماماً لكلام محمد في بداية الأمر ، لكنني حينما عدتُ الى البيت وجلست في غرفتي هُنَيهة تذكرتُ كلامه وانتابني شعورٌ بالحيرة ، مَن المُحِق أنا أَم هوَ ؟ لِمَ صوّرتُ الدراسة مفيدةً جداً أمام التلاميذ مع علمي بكونها ستتعبهم وقد يصبحون مثلي بلا عمل ؟ كيف صورتُ الوقع السيئ لهُم جميلاً مع علمي بسوئه ؟ !ألستُ كاذباً الآن ؟ لِمَ لم أسمح لمحمد بإكمال كلامه وسارعتُ الى تأنيبهِ ؟ ألم يكن صادقاً يريد عرض الوقع كما هو بلا تزييف ولا خداعٍ كما فعلتُ ؟ ماذا لو سمع التلاميذ كلامه ؟ مَن مِنّا على حق أنا أَم هو ؟ أسئلةٌ دارت في خُلدي ولم أجد لها جواباً شافياً ، أخيراً يبقى السؤال الجامع لكُلِّ تلك الأسئلة يتكررُ في رأسي مَن المُحِق أنا أم هو ؟
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
حسن سعيد رضا ، بغداد 26 كانون الأول / ديسمبر 2016.