في نقاش شهير دار بين مجموعة من فلاسفة عصر النهضة في أوربا حول الرجل الأكثر تأثيراً في التاريخ اقترح أحد الحاضرين اسم يوليوس قيصر إمبراطور روما العظيم وقال آخر إنَّه شارلمان مؤسِّس الإمبراطوريَّة الرومانية المقدَّسة وعندها قال فولتير Voltaire: بأنَّ إسحاق نيوتن بلا شك هو أعظم رجل في تاريخ البشرية لأنَّنا ندين بالفضل والتعظيم للذي أنار عقولنا بقوَّة الحقيقة وليس للذي استعبدها من خلال العنف!!!
اليوم نحتفل بعيد ميلاد هذا العالِم الذي غيَّر وجه العِلم وشَكلَ الحياة البشريَّة أيضاً وفيما يلي نستعرض لمحاتٍ من حياته…
بداية بائسة ونهاية عظيمة
ولد نيوتن فقيراً يتيماً مريضاً في إحدى القرى البريطانيَّة وتعثَّر عدة مرَّات خلال تحصيله العلمي ولكنَّ عبقريته برزت أخيراً في جامعة كامبريدج الشهيرة University of Cambridge، وبدأ نيوتن يبرع في مختلف العلوم الطبيعيَّة كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والبصريات وفي الفلسفة وعلم اللاهوت أيضاً حتى وصل أخيراً إلى قمَّة المجد بعد اكتشافاته لعلم التكامل والتفاضل في الرياضيات وقوانين الحركة والجاذبية في الفيزياء. رغم بدايته البائسة ولكنَّ النهاية كانت أكثر من رائعةً وغير متوقَّعة إطلاقاً فقد أصبح رئيساً للجمعية الملكية إلى حين وفاته وحظي بتكريم أكبر بكثير من ملوك عصره
الكتاب الأهم في تاريخ العلم
في عام 1687 نشر نيوتن كتابه الشهير المبادئ الرياضيَّة للفلسفة الطبيعيَّة Mathematical Principles of Natural Philosophy وفيه وضع قوانين الحركة الثلاثة التي تفسِّر حركة الأجسام في الكون وقانون الجذب العام وبلور علم التفاضل والتكامل بصورةٍ هندسيَّة واضحة، وأبهر هذا الكتاب فور ظهوره أرباب العلم والفكر في كل مكان ومازال يُعتبر برأي الكثيرين الكتاب الأهم والأكثر تأثيراً في تاريخ العلم.
وعنه قال لاجرانج Lagrange أعظم عالم رياضيات في ذلك العصر “إنَّ كتاب المبادئ أعظم كتاب أنتجه العقل البشري”.
وقال الفيزيائي الشهير لابلاس Laplace “إنَّني أضمن لهذا الكتاب مكان الصدارة فوق كلِّ إبداعات العقل البشري على مرِّ العصور”.
العالم الأكثر تأثيراً في البشريَّة
في كتاب المائة الأوائل أوضح الدكتور مايكل هارت أنَّ نيوتن بلا شك هو أكثر عالم ذو تأثير عاش على الأرض. وقد استغرب كثيرون أنَّه تفوَّق على أينشتاين وسائر جهابذة العلم في الاستفتاء الذي قامت به الجمعيَّة الملكيَّة عام 2005 حول أعظم عالم في التاريخ، وفي الحقيقة فإنَّ هذا يرجع بشكل أساسي للقوانين التي اكتشفها والتي فسَّرت حركة كل شيء في الكون وأوضحت النظام الدقيق الذي يسير عليه وأمَّا من جاء بعده من العلماء فاعتمدوا أصلاً على هذه القوانين وعدَّلوا عليها وأضافوا لها ولكن كما قال أحدهم فإنَّنا نعيش في كون واحد وله قوانين واحدة وقد سبق نيوتن الجميع باكتشافها.
نيوتن الإنسان
لم يتزوج نيوتن وكان يعيش في جو من الاكتئاب والعصبيَّة في أغلب أيام حياته وكان نيوتن بخلاف كثيرٍ من علماء عصره مؤمناً ومدافعاً عن الدين إلى أقصى الحدود وحاول التوفيق بين العلم والدين بعدة كتب ومقالات كتبها، وكذلك فقد كان متواضعاً ويُقدِّر العلماء الذين سبقوه وعاصروه ويقول مُعترفاً بالفضل الكبير لهم: إذا استطعت أن أرى أبعد من غيري فهذا لأنَّي كنت أركب على أكتاف العمالقة!!! وهو يقصد بذلك علماء الفيزياء الذين مهَّدوا له الطريق ككوبرنيكوس وغاليلو وكبلر.
في وداع نيوتن
بكى أحد الفلاسفة الذين حضروا جنازة نيوتن عندما رأى الملوك والأمراء يتسابقون لحمل جثمانه لأنَّه عرف وقتها أنَّ العلم انتصر أخيراً وأنَّ عالماً فقيراً من أصلٍ غير نبيل حاز بفضل علمه على شرفٍ يحسده عليه ملوك العالم وأثرياؤه، وعلى قبر نيوتن كتب أحد الشعراء: كان الكون وقوانينه مُظلماً غير مفهوم فقال الله ليكن نيوتن فأصبح كل شيءٍ مضيئاً واضحاً.