TODAY - July 19, 2010
آه يهل العمارة
هاشم العقابي
للمدن، كما للناس، أقدار. وقدر مدينة العمارة خطه لها السومريون من يوم سموها بهذا الاسم الذي يعني بلغتهم أم البكاء. ومن يوم “جلجامش”، الذي افزعه موت صديقه فهام على وجهه، صار لهذه المدينة موعد دائم مع الموت.
في قادسية صدام، غير المقدسة، فجعت مدن عراقية كثيرة بقتلاها، لكن شوارع العمارة، في واحدة من هجمات الايرانيين، صارت مسرحا للاقتتال “الحي” فدفعت العمارة كمّاً من الضحايا لم تدفعه مدينة أخرى. وبدلا من مواساة هذه المدينة المنكوبة، عمد بعض الشعراء والملحنين، بدون حياء او خجل الى وصف مذبحة أهل العمارة بأنها “أجمل بشارة” وأظهر تلفزيون “القائد” مجموعة من الراقصات يبزخن على أنغام أغنية “هيه يهل العمارة .. هاي اجمل بشارة”. اي نوع من الشعر والغناء هذا الذي يعتبر ذبح مدينة “بشارة”؟ وبعد حرب الخليج الثانية وقيام الانتفاضة امتد الموت لا ليشمل أهل العمارة، وحسب، بل طال أهوارها وهواءها وطيورها أيضا.
وبعد السقوط، كان أمل أهل العمارة، مثل أمل أهل العراق كله، إن ولت أيام الخوف وصاروا يحلمون بيوم جديد لا يقضه شبح الموت. لكن الذي حدث هو أن جاءهم موت جديد يدفع أبناءهم دفعا للغرق.
قرأت ليلة أمس على موقع “ميسان اونلاين” خبرا يقول: “شهد اليوم جسر عواشة الجديد مأساة غرق طفل ميساني هو الثالث الذي يبتلعه نهر دجلة هذا الشهر”. أطفال حاصرهم الحر ولهيب الشمس ففروا من “حلاة ارواحهم” للنهر فابتلعهم ليخلصهم من العذاب.
اليوم هاتفت صاحب الموقع وهو صديقي الشاعر المرهف عمار الوائلي، مستفسرا عما حدث فأجابني بصوت يشي بعبرات محتبسة: “كنت من قبل يا هاشم أسمع سماعا ببيت الدارمي:
مثل ام ولد غرگان وبره الشرايع
وها انا ارى “ام الغرگان” بعيني مفجوعة تتوسل بالنهر:
وين اليطلع الراح مني وكتلني
وهدومة مذبوبات عالجرف ذنيأي حياة هذه التي تتقطع بها حبال الرحمة لتستجيب حتى الطبيعة لتشارك السياسيين في قتل العراقيين؟ وأي حكومة هذه التي لم يهزز ضميرها ذبح أطفال العراق؟ وأي شعب هذا الذي لا يزحف بنعوش أطفاله ليبصق بوجه المنشغلين بمنصب رئيس الوزراء؟
اللهم خلصني من شقشقة تحوم على طرف لساني.
وآه يا أهل العمارة ..