نداء لعموم المسلمين

أيها المسلمون..
ما أعظم الدين الذي تحتكمون إليه! وما أرقى التشريع الذي تتعبدون لله به! إن الدين الإسلامي شرع مُحْكَمٌ، أنزله الذي يعلم السر وأخفى، وأَحْكَمَ بُنُودَهُ الذي يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير.

إنكم -أيها المسلمون- تحملون الرسالة الأخيرة من الله إلى خلقه، وهي رسالة عظيمة كاملة شاملة، تهدف إلى صلاح الدنيا والآخرة.

إنَّ الله قد مَنَّ عليكم بنعمة لا حدود لها، وهي نعمة الإسلام.. فاشكروا لله نعمته؛ يزِدْكُمْ من فضله، وشكر نعمة الإسلام يكون أولاً بتطبيقها في كل جانب -مهما دقَّ وصغر- من جوانب الحياة، ويكون ثانيًا بنقل هذه النعمة واضحة جليَّة إلى شعوب الأرض في كل مكان وزمان.. إن مسئوليتكم كبيرة، وتَبِعَتَكُمْ ضخمة..

إنه قد أُوكِلَ إليكم عمل الأنبياء؛ فليس بعد رسول الله رسول، وليس بعد دين الإسلام دين.

أيها المسلمون..
لقد وصلت إليكم الأمانة الثقيلة سليمة صحيحة غير محرَّفة، حملها رجال ونساء مخلصون، سواءٌ في جيل الرسول أو في الأجيال التي لحقت، فلا يُؤْتَيَنَّ الإسلام من قِبَلِكُمْ.

أيها المسلمون العظماء..
اعتزوا بدينكم اعتزوا بدينكم، وافتخروا باتِّباعكم لخير البشر وسيد المرسلين رسول الله ، ولا يَحْزُنْكم الذين يُسارعون في الكفر، إنهم لن يضروا الله شيئًا، ولا يَهُولَنَّكُمْ ما يُشَوِّهُونَ به تاريخ الرسول ، فإنَّ هذا مكر البشر، ومهما تزايد وتفاقم فإنه محصور في كلمة {وَيَمْكُرُونَ}، وعلى الناحية الأخرى لا بُدَّ أن تعرفوا ما يواجهه.. إنه قول ربكم: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].

إن دين الإسلام باقٍ ما دامت على الأرض حياة، وشريعة الإسلام خالدة ما دام هناك بشر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

النداء الثاني
نداء إلى غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الإسلامية

هذا هو ديننا..

هل هناك ما يدعو إلى الخوف من تطبيق أحكامه؟!

إنَّ بنود التشريع الإسلامي والتطبيق الواقعي لها ليشهدان أن غير المسلمين ما وجدوا في العالم كله ما هو أعظم ولا أعدل ولا أبرُّ من التشريع الإسلامي.. إن نصارى ويهود العالم لم ينعموا بعدلٍ مثلما نعموا به في ظل الحكم الإسلامي.

إننا لا نجد في تاريخنا -على اتساعه ورحابته- ما يشير إلى اضطهاد أو ظلم أو إجحاف لطوائف غير المسلمين في المجتمع المسلم.

إننا -إلى زماننا الحالي- ما زلنا نتوارث قواعد البرِّ في التعامل، والعدل في الحكم، والاحترام في العلاقات مع غير المسلمين، أيًّا كانوا في مجتمعاتنا.

وإذا كنتم ترون ظلمًا حقيقيًّا من حاكمٍ من الحكام، أو قاضٍ من القضاة في مرحلة ما من مراحل التاريخ، أو في مشهد من مشاهد الواقع، فإن هذا -ولا شكَّ- على سبيل الاستثناء، كما أنه -ولا شكَّ أيضًا- ظلم واقع على كل الأطراف، بما فيها الطرف المسلم!! إن الظالم لا يفرِّق في ظلمه بين مسلم وغير مسلم، والعادل كذلك لا يُفَرِّقُ في عدله بين مسلم وغير مسلم.

إن من أبرز علامات العدل عندنا أنه عَدْلٌ مُطْلَقٌ مع كل البشر، بل مع كل مخلوق، سواءٌ من البشر أو من غير البشر!! إنه ليس في ديننا ظلم لهِرَّة أو ناقة، وليس في ديننا أيضًا ظلم لشجرة أو لنخلة.. فكيف يكون فيه ظلم لبشر؟!!

إن من أعظم الضمانات لغير المسلمين في المجتمع المسلم أننا -نحن المسلمين- نتعبد لله بالعدل معهم، والإحسان إليهم.

إننا إذا أوقعنا بغير المسلمين ظلمًا أو ضررًا نكون بذلك مخالفين لشرع ربِّنا، مقترفين ذنبًا عظيمًا سنُحَاسَبُ عليه حسابًا دقيقًا {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].

إن الرقابة علينا داخلية، والمحاسبة ذاتية.. إننا لا نحتاج لشرطيٍّ يتابع ولا للجنة تُحَقِّقُ.. إن حبَّ رسولنا مزروع في قلوبنا، وهو قد علَّمنا أن نرفق بغير المسلمين، وأن نتلطف إليهم، وأن نبسط إليهم أيدينا وألسنتنا وعيوننا وقلوبنا بكل خير.

إننا لا نتكلف شيئًا من ذلك أبدًا.. إن هذه هي طبيعة ديننا، وطريقة حياتنا، ندعو كل الناس إلى التعرُّف عليها، والتوثُّق منها.

النداء الثالث
نداء إلى عموم الناس في الأرض، في زماننا وفي كل الأزمان ..

اقرءوا شرع الإسلام وتاريخ المسلمين من مصادره الصحيحة.. إننا قد ظُلِمْنَا كثيرًا في الماضي والحاضر، في التاريخ وفي الواقع.. إن تاريخنا كثيرًا ما كُتِبَ بأيدي أعدائنا، وكثيرًا ما وُصِفَتْ رموزُنا وأعلامُنا بأقلام الحاقدين علينا والحاسدين لنا.

إنه ليس من العدل والإنصاف أن يعرف الناس قصتنا بألسنة من يكرهنا، وليس من العدل والإنصاف أن نُهْمِلَ ما كتبه أبناء الإسلام المخلصون، ونعتمد على غيره من الأباطيل والافتراءات.

إن تاريخ الإسلام قد زُوِّرَ بعناية، وشُوِّهَ عن عَمْدٍ وقَصْدٍ.. لقد عمل الكثير من المستشرقين وأصحاب المصالح وغيرهم على محو ذاكرة الأمة، وعلى طمس معالم الحضارة في تاريخها.. لقد تعاونوا على الإثم والعدوان: فهذا يُزوِّر.. وذاك يُشوِّه.. وهؤلاء يتجاهلون الصحيح، ويُقْبِلُونَ على الضعيف.. وأولئك يُبْرِزُون الأخطاء، ويتغافلون عن المزايا والفضائل.. لقد فعلوا ذلك بخُطَّةٍ مُنَظَّمَة.. وبتدبير محكم؛ حتى خرج لنا التاريخ الإسلامي مسخًا مشوَّهًا، ليست له علاقة -مُطلقًا- بما كنا عليه في الحقيقة.

إنني أنادي وأناشد وأدعو كل باحث عن الحقيقة في العالم، وكل راغبٍ في الوصول إلى خير الأرض وصلاحها، أن يَدْرُسَ الإسلام وتاريخه من مصادره الأصيلة، ومنابعه الصافية..

إنَّ خيرًا كثيرًا سيضيع، وثروة هائلة ستُبَدَّد، لو أهمل الناس دراسة تاريخنا، وأَوْجُهَ حضارتنا ومجدنا.

إن حلقة «الإسلام» ليست حلقة عابرة في سلسلة الإنسانية الطويلة، إننا حلقة مؤثرة أعمق الأثر، لقد حافظْنا على الخير الذي سَبَقَنَا، وطَوَّرْنَاهُ وجَمَّلْنَاهُ..

إن رسولنا قال في إيجازٍ معجز: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِمَ مَكَارَمَ الأَخْلاَقِ».

فالإسلام أقرَّ الأخلاق الكريمة التي وُجِدَتْ قبله، وأضاف إليها وحسَّن وجمَّل وأتقن.. حتى جاءت الشريعة الإسلامية في أعلى درجات السمو الأخلاقي، وحتى صار الرسول الأكرم مثلاً أعلى في كلِّ الأخلاق الحميدة، والسمات النبيلة.

أيها المنصفون في كل زمان ومكان..

اقرءوا الإسلام بنظرة حيادية، وسترون ما ستعجزون عن تقدير عظمته، وحصر فضائله..

واعرفوا رسول الله ؛ فإنه من الظلم الكبير لكم ولشعوبكم ألاَّ تعرفوه.

أيها الناس..

يا من تعيشون في مشارق الأرض ومغاربها..

إنه ليس في مقدورنا ولا من وظيفتنا أن نجعلكم مسلمين، إنما الذي نملكه وأُمِرْنَا به أن نصل برسالتنا إليكم بيضاء نقيَّة، ثم نترك لكم الأمر في حرية تامة..

{قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} [الإسراء: 107].

ونحن على يقين أن هناك يومًا سيحكم فيه ربُّنا بيننا بالحق، وسيعلم الجميع -حينئذٍ- مَن الذي أصاب، ومن الذي أخطأ، ومن الذي اتَّبع الهُدى، ومن كان في ضلال مبين.. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93].

وصلى اللهم وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين.

د. راغب السرجاني