بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
لقد ورد في الكتب المعتبرة أنّ الشمس ردّت لثلاثة من الأوصياء وهم:
1- سليمان بن داود (عليه السلام) .
2- يوشع بن نون (عليه السلام) .
3- الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) مرتين.
ذكر الحافظ ابن شهرآشوب في كتابه مناقب ابن شهرآشوب فقال: وعن ابن عباس بطرق كثيرة: انّه لم تردّ الشمس إلّا لسليمان وصيّ داود، وليوشع وصي موسى، ولعليّ بن أبي طالب وصي محمد صلوات الله عليهم أجمعين .
إذن فمسألة ردّ الشمس بعد غروبها أو حبسها عن سيرها الطبيعي المعتاد لفترة من الزمن، قد حدث في العالم مكرراً على فترات متباعدة، ولدواع خاصّة، بينها جميعاً قاسم مشترك أنها كانت معجزة لأوصياء ثلاثة من الأنبياء، وهذا هو المتيقّن عندنا حسب ما ورد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وصح عن حبر الأُمة عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، وهو في علمه تلميذ أمير المؤمنين(صلى الله عليه وآله)، وهو باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله) .
فما قاله حبر الأُمة أخذه من عين صافية، وعلينا أن نقرأ ما ورد في ردّ الشمس لهؤلاء الأوصياء الثلاثة:
1ـ ردّ الشمس لسليمان وصي داود(عليهما السلام):
لقد ردّ الله سبحانه وتعالى بأمره لسليمان بن داود الّذي آتاه الله الملك وفصل الخطاب، فقال سبحانه وتعالى في سورة ص:
( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب* رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ ).
وقد ذهب المفسّرون مذاهب شتى في تفسير قوله تعالى: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب) و(رُدُّوهَا عَلَيَّ) ويمكن تلخيصها على سبيل منع الخلوّ بأنّها أربعة مذاهب:
الأول: أن يكون المراد بقوله: (تَوَارَتْ بِالْحِجَاب) هي الشمس، والمراد بقوله: (رُدُّوهَا) يعني الشمس .
الثاني: أن يكون المراد بقوله في المقامين هي الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ يعني الخيل .
الثالث: أن يكون المراد بقوله تعالى: ( تَوَارَتْ ) الشمس، وبقوله تعالى: ( رُدُّوهَا ) يعني الخيل .
الرابع: أن يكون المراد بقوله تعالى: ( تَوَارَتْ ) الخيل، وبقوله تعالى: ( رُدُّوهَا ) يعني الشمس .
ولبعض المفسّرين ـ كالرازي وغيره ـ تطويل في إثبات آرائهم، ولا يعنينا في المقام عرض مقالاتهم وأدلّتهم ما دامت مخالفة لما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام)، لأنّا نرى أنّه لا يعرف القرآن إلّا من جعله النبي(صلى الله عليه وآله) عدلاً له في وجوب الرجوع إليه والتمسّك به، كما في حديث الثقلين المتظافر نقله عن نيف وعشرين صحابياً .
وأهل البيت(عليهم السلام) من أظهر مصاديق الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب، ولديهم فصل الخطاب حيث قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) .
وما ورد عنهم هو المذهب الأول، وهو المروي عن ابن عباس ترجمان القرآن ، رواه عن الإمام أمير المؤمنين(صلى الله عليه وآله)، فقد ورد في تفسير الآيتين في جملة من مصادر التفسير: انّ ابن عباس حكى للإمام قول كعب الأحبار ـ اليهودي ـ أنّه قال: ( رُدُّوهَا ) يعني الأفراس .
فقال الإمام (صلى الله عليه وآله): كذب كعب، لكنّ سليمان اشتغل بعرض الأفراس للجهاد حتى توارت ـ أي غربت ـ الشمس بالحجاب، فقال بأمر الله للملائكة الموكلّين بالشمس: (رُدُّوهَا) يعنى الشمس، فردّوها حتى صلّى العصر في وقتها، وإنّ أنبياء الله لا يَظلمون لأنّهم معصومون.
والّذي رواه ابن عباس(رحمه الله)عن الإمام أمير المؤمنين(صلى الله عليه وآله)، هو المرويّ أيضاً عن الإمام الصادق (صلى الله عليه وآله)، فقد قال الشيخ الصدوق ابن بابويه في كتابه من لا يحضره الفقيه:
إنّ الجهّال من أهل الخلاف يزعمون أنّ سليمان(صلى الله عليه وآله) اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتى توارت الشمس بالحجاب، ثم أمر بردّ الخيل وأمر بضرب سوقها وأعناقها وقتلها، وقال: إنّها شغلتني عن ذكر ربي .
وليس كما يقولون، جلّ نبيّ الله سليمان(صلى الله عليه وآله)عن مثل هذا الفعل، لأنّه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقَها وأعناقَها، لأنّها لم تعرض نفسها عليه ولم تشغله، وإنّما عُرضت عليه وهي بهائم غير مكلّفة ، والصحيح في ذلك ما روي عن الصادق(صلى الله عليه وآله)أنّه قال:
إنّ سليمان بن داود(صلى الله عليه وآله) عُرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل، فاشتغل بالنظر اليها حتى توارت الشمس بالحجاب، فقال للملائكة: ردّوا الشمس عليَّ حتى أصلّي صلاتي في وقتها، فردّوها، فقام فمسح ساقيه وعنقه، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، وكان ذلك وضوءهم للصلاة، ثم قام فـَصلّى، فلمّا فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم، وذلك قول الله (عز وجل):
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ) .
ثم قال الصدوق: وقد أخرجت هذا الحديث مسنداً في كتاب الفوائد.
2- ردّ الشمس ليوشع بن نون وصي موسى(صلى الله عليه وآله):
ردّت الشمس ليوشع بن نون وصي موسى عليه السلام حينما فاتته الصلاة في وقتها، وقيل: بل ردّت له حينما خرج لقتال الجبّارين في مدائن الشام، فأدركه المساء و قد بقيت منهم بقية ، فدعا اللّه تعالى، فردّ عليه الشمس، وزاد في النهار ساعة حتى استأصلهم و دخل مدينتهم و جمع غنائمهم.
فقد عهد موسى عليه السلام الى يوشع بأنه يقاتل الجبارين في بلاد الشام، فقاتلهم في بيت المقدس و أريحا والبلقاء حتى مكّنه اللّه منهم.
كان يوشع فتى موسى عليه السلام، وقد جاء في الذكر العزيز (وَ إذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ) و جاء أيضاً (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ) قيل: إن المراد به يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام، و به وردت الرواية، و قيل: سمّي فتيً لأنه كان يلازمه سفراً وحضراً، أو لأنه كان يخدمه.
3- رد الشمس لخير الأوصياء أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
لاشكّ ولا شبهة في أنّ الولاية التكوينية ثابتة للرسول والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، وعليه فلا استغراب في ردّ الشمس لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) مرّتين، مرّة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأُخرى بعد رجوعه من معركة النهروان.
ما يدل على ردّ الشمس مرّتين:
1ـ قال الإمام علي (عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى ردّ عليّ الشمس مرّتين، ولم يردّها على أحد من أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) غيري) .
2ـ قيل لابن عباس: ما تقول في علي بن أبي طالب؟
فقال: ذكرت والله أحد الثقلين، سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين، وأُعطي السبطين، وهو أبو السبطين الحسن والحسين، وردّت عليه الشمس مرّتين، بعدما غابت عن القبلتين، وجرّد السيف تارتين، وهو صاحب الكرّتين، فمثله في الأُمّة مثل ذي القرنين، ذاك مولاي علي بن أبي طالب (عليه السلام).
3ـ قال الشيخ المفيد: وممّا أظهره الله تعالى من الأعلام الباهرة على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما استفاضت به الأخبار، ورواه علماء السير والآثار، ونظمت فيه الشعراء الأشعار: رجوع الشمس له (عليه السلام) مرّتين؛ في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) مرّة، وبعد وفاته أُخرى.
رد الشمس في زمن النبي (صلى الله عليه وآله):
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) العصر، فجاء علي (عليه السلام) ولم يكن صلاّها، فأوحى الله إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) عند ذلك، فوضع رأسه في حجر علي (عليه السلام)، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حجره حين قام، وقد غربت الشمس، فقال: يا علي، أما صلّيت العصر؟
فقال: لا، يا رسول الله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم إنّ علياً كان في طاعتك، فاردد عليه الشمس، فردّت عليه الشمس عند ذلك ).
وقالت أسماء بنت عميس: أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم وهو يريد أن يصلّي العصر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوافق رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد انصرف، ونزل عليه الوحي، فأسنده إلى صدره، فلم يزل مسنده إلى صدره حتّى أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: (أصلّيت العصر يا علي)؟
قال: (جئت والوحي ينزل عليك، فلم أزل مسندك إلى صدري حتّى الساعة)، فاستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) القبلة ـ وقد غربت الشمس ـ وقال: (اللهم إنّ علياً كان في طاعتك فارددها عليه).
قالت أسماء: فأقبلت الشمس، ولها صرير كصرير الرحى، حتّى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمكّناً فصلّى، فلمّا فرغ رجعت الشمس، ولها صرير كصرير الرحى، فلمّا غابت اختلط الظلام وبدت النجوم.
وقال الإمام علي (عليه السلام) يوم الشورى: (أنشدكم بالله، هل فيكم من ردّت عليه الشمس غيري؟ حين نام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجعل رأسه في حجري حتّى غابت الشمس، فانتبه فقال: يا علي صلّيت العصر؟ قلت: اللهم لا، فقال: اللهم ارددها عليه، فإنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك)؟
رد الشمس في زمن خلافته (عليه السلام):
قال جويرية بن مسهر: أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتل الخوارج حتّى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس، فقال علي (عليه السلام): (أيّها الناس، إنّ هذه أرض ملعونة قد عذّبت في الدهر ثلاث مرّات، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أوّل أرض عبد فيها وثن، إنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يصلّي فيها، فمن أراد منكم أن يصلّي فليصل)، فمال الناس عن جنبي الطريق يصلّون، وركب هو (عليه السلام) بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضى.
قال جويرية: فقلت والله لأتبعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلدنه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه، فو الله ما جزنا جسر سوراء حتّى غابت الشمس فشككت، فالتفت إليّ وقال: (يا جويرية أشككت)؟
فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل (عليه السلام) عن ناحية فتوضّأ ثمّ قام، فنطق بكلام لا أحسنه إلاّ كأنّه بالعبراني، ثمّ نادى: (الصلاة)، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلّى العصر وصلّيت معه، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت إليّ وقال: (يا جويرية بن مسهر، الله عزّ وجلّ يقول: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ)، وإنّي سألت الله عزّ وجلّ باسمه العظيم فردّ عليّ الشمس).
وروي أنّ جويرية لمّا رأى ذلك قال: أنت وصيّ نبيّ وربّ الكعبة.
تحياتي لكم