هل الذنوب الجنسية أسوأ أنواع الذنوب؟

يقول أمير المؤمنين(ع): «فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَکْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْينِهِم» [نهج البلاغة/ خطبة القاصعة]

إن الوسط المتديّن في مجتمعنا يقبّح الشهوات الجنسيّة جدّا ويرى الالتذاذ الجنسي المحرّم أقبح أنواع الذنوب، ولكن ليست هذه بنظرة دقيقة.

سئل الإمام الصادق(ع): مَا بَالُ الزَّانِي لَا تُسَمِّيهِ كَافِراً، وَ تَارِكُ الصَّلَاةِ قَدْ تُسَمِّيهِ كَافِراً؟ وَ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «لِأَنَّ الزَّانِيَ- وَ مَا أَشْبَهَهُ- إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِمَكَانِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّهَا تَغْلِبُهُ، وَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا إِلَّا اسْتِخْفَافاً بِهَا. وَ ذَلِكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ الزَّانِيَ يَأْتِي الْمَرْأَةَ إِلَّا وَ هُوَ مُسْتَلِذٌّ لِإِتْيَانِهِ إِيَّاهَا قَاصِداً إِلَيْهَا، وَ كُلُّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ قَاصِداً إِلَيْهَا فَلَيْسَ يَكُونُ قَصْدُهُ لِتَرْكِهَا اللَّذَّةَ، فَإِذَا انْتَفَتِ اللَّذَّةُ وَقَعَ الِاسْتِخْفَافُ، وَ إِذَا وَقَعَ الِاسْتِخْفَافُ وَقَعَ الْكُفْر» [علل الشرائع/ج2/ص339]

عندما ترى إنسانا منحطّا مدمنا على الخمر وغير مستحيٍ من ارتكاب الأفعال القذرة، وإذا هو يتحوّل إلى إنسان صالح، فذلك لأن الذنوب التي يتعاطاها الإنسان بدافع اللذّة والاستمتاع لا تفسده بحيث تهدم خلفه جسور التوبة، ولكنّك لا تستطيع أن تجد بسهولة رجلاً تاب واتخذ طريق الصلاح بعد ما كان متكّبرا.

نحن على حافّة هاوية الكبر ولذلك فرض الدين علينا الصلاة خمس مرّات في اليوم، إذ أن من أهمّ أسباب فرض الصلاة هو أثرها في إزالة الكبر؛ «فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ وَ الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْر» [نهج البلاغة/ الحكمة 252]

فإن كنّا على وشك السقوط في هاوية الكبر، وكان الكبر بهذه الشدّة من القبح، فلابدّ أن قد ابتلي الكثير بالكبر، ولكن من الطراز الخفيّ.

حينما تقول لبعض الناس: «إنك مبتلى بالكبر» يستغرب ويقول: «بالعكس! إذ يقول الجميع لي أنك إنسان متواضع وترابيّ». وذلك لأن الكبر الخفيّ غير واضح فلابدّ من التفتيش عنه لكشفه. لقد وصف الإمام الخميني(ره) في كتاب الأربعون حديثا بعض المبتلين بالكبر الخفي بأنه «يجلس في منتهى المجلس ليظهر شخصيّته. فهو يتواضع كبراً!» فما السبيل إذن إلى اجتثاث الكبر الخفي؟! هل الطريق هو التواضع للنّاس؟! هنا تعيى الأخلاق عن معالجة هذا المرض.

قد يتواضع أستاذ لتلميذه ويخفي كبره. فهو ليس بأمر عسير. كما يتواضع التلميذ لأستاذه بالطبع. فليس هذا المستوى من التواضع إنجازا باهرا ودليلا على نزاهة الإنسان من الكبر. ولكن تعال إلى زميلان في مستوى دراسيّ واحد، وإذا أحدهما يسبق صاحبه حتى يصبح أحد أعضاء الهيئة العلمية في الجامعة، أ فهل مستعدّ الآخر لأن يتواضع لزميله. فهنا يتعسّر الأمر. والأعسر منه هو أن يفضّل اللّه عليك أحدا. وهنا تتبلور أمثال قصة هابيل وقابيل.

أصعب موطن في امتحان الكبر، هو أن لا تتكبّر على وليّ اللّه، والملفت للنظر هو أن أميرالمؤمنين(ع) لم يقيّد عبارته وقالها بشكل مطلق: «فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِم‏» [نهج البلاغة/الخطبة192]

لقد كتب أميرالمؤمنين(ع) كتابا إلى معاوية وشرح فيه بالتفصيل أبعاد تفضيل اللّه إيّاه على الآخرين «أَ لَمْ تَعْلَمْ يا مُعَاوِيةُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنَّا لَيسَتْ مِنْکُم‏..» ثمّ قال: «نَحْنُ آلُ إِبْرَاهِيمَ الْمَحْسُودُونَ وَ أَنْتَ الْحَاسِدُ لَنَا» [الغارات/ج1/ص11].

لو كانت تبلى سرائر الناس وينكشف فضلهم المعنوي، فهذا هو حدث يوم القيامة وهي الواقعة التي وصفها القرآن بأنها «خافِضَةٌ رافِعَة» [الواقعة/3] وعند ذلك سيرتفع شأن كثير من الناس الذين لم تكن تعبأ بهم وكنت تظن أنهم ليسوا على شيء، وفي المقابل سترى الكثير ممّن كنت تزعم أنهم على خير في قعر جهنّم. وستنقلب الأوضاع برمّتها.

سماحة الشيخ بناهيان