قبل أن ندخل في أي تفاصيل، لابد أن نفرق أولاً بين أمرين رئيسين الشهرة والتأثير، ليس كل مشهور بالضرورة مؤثر وليس كل مؤثر مشهور، وفي البداية لابد أن تعرف أن المشهور هو شخص معروف لعامة الناس بسبب عمل قام به أو أحياناً بمحض الصدفة، ولكن الشخص المؤثر هو ذلك الشخص الذي ربما لا يعرفه كُثر ولكن له تأثيرًا كبيرًا جداً.
لذا لابد أن تحدد بنفسك أولاً من تريد أن تكون؟ هل تريد أن تكون شخص يُشار له بالبنان ولا يهم قيمته، أم شخص مؤثر في محيطه ويفيد مجتمعه ولا يشترط أن يكون معروفًا للجميع؟
أعتقد أنك اخترت النوع الثاني من الناس، وهنا يأتي السؤال الأصعب كيف يمكن أن أكون شخصاً مؤثراً! هذا حقيقي ولكن يمكن أن تكون شخصًا مؤثرًا ولكنك فقط لا تعلم، وكونك مازالت تبحث عن إجابة لهذا السؤال فهذا هو المؤشر الأول أنك يمكن أن تكون شخصًا مؤثرًا.
بكلمات أبسط دعونا نعرف قليلاً الشخص المؤثر: هو ذلك الشخص القائد الذي يتبعه كثيرون بدون ترتيب منه وبدون وعي منهم، شخص مستقل له أفكار ومبادئ واضحة تجعله محل إعجاب من الآخرين، لا يسعى للشهرة بقدر سعيه لنجاح فكرة يؤمن بها.
ويمكن أن يكون هذا الشخص مُعلم اللغة العربية في المدرسة الذي يحب اللغة بشدة مما ينعكس على أدائه لعمله وطريقه تعليمها للطلاب، فيتخرج على يديه مجموعه من الطلاب الذين يعشقون اللغة بسببه، في هذه النقطة هو مؤثر جداً، وقد يكون صديقك صاحب الوزن الزائد قوي الإرادة الذي سخر الجميع منه واستطاع أن يضبط نفسه ليصل إلى الوزن المثالي والتحق بإحدى الألعاب الرياضية وتفوق فيها على الجميع
هل رأيت؟ والآن حان وقت التنفيذ…
الصدق
الأمر ليس بخلطة سحرية ستفعلها لتكون شخصًا مؤثرًا، القصة كلها تحدث بدون أدنى ترتيب، يكفيك أن تملك أفكارًا تؤمن بها وتدافع عنها حقاً وليس شعارات وتسعى لنشرها، ولنقل مثلاً أنت مؤمن جداً بأهمية العمل التطوعي ونجحت في إقناع بعض أصدقائك بالتطوع في أحد الأعمال التي تخدم المجتمع، فأنت لا تحقق أهداف أي جهة بقدر رغبتك في نشر الفكرة التي تؤمن بها، تفعل ذلك بشكل تلقائي بدون جهد في ترتيب أو تخطيط، إيمانك الداخلي هو ما يحركك، لا أكثر.
مساعدة الآخرين
أول أبواب التأثير في الأخرين، أن تساعدهم، والأمر ليس مادياً بالمعنى السطحي، الأمر أغلبه – إن لم يكن كله – يتعلق بالأمور المعنوية، تخيل مثلاً أنك الأبن الأوسط في أسرتك وتعتمد أمك عليك في شراء حاجيات المنزل اعتماداً كلياً، وتغيبت في رحلة ماً لمدة أسبوع، تخيل حال أمك بدونك!
لا أحد غيرك يقوم بدورك، وأنت من تثق به وتعتمد عليه في هذه المهمة، أراك تسخر من المهمة! فالتأثير لا يعني الصعود للقمر، فشراء حاجيات المنزل بالنسبة لأمك هو بالنسبة لها أهم من الصعود للقمر، أرأيت؟ فغيابك فارق وهذا يعني أنك شخص مؤثر.
علَم الآخرين
تريد أن تدخل إلى أبواب التأثير سريعاً، عليك بتعليم الناس أمر ماً، لغة إذا كنت تجيدها، مهارة، أي شيء جديد يفيدهم، والأمر لا يتعلق بالتعليم فحسب بل في حقيقة الأمر بالإتقان، علمهم بحب، بشغف، بطرق مبتكرة… هكذا ستبقى في ذاكرتهم زمناً طويلاً.
والآن كل السماوات مفتوحة، يمكنك أن تعلم الناس من خلال فيديوهات تضعها على موقع YouTube، أو ربما تضع مقاطع صوتية لأي من تجاربك التي تراها مفيدة للآخرين على ساوند كلاود، ويمكنك أيضا أن تكتب مقالاً هنا في أراجيك مثلاً يساعد الناس على النهوض بأنفسهم فتؤثر فيهم وتسعدهم.
ودعني أرسم لك ملامح أحلى لحظات حياتك وقتها، عندما تأتيك رسالة من مجهول يقول لك فيها “هل تذكر مقالك الذي كان عن كذا في كذا… لقد غير لي حياتي كليًا.”
هل يوجد أمتع من ذلك!
وبمناسبة المقالات أو بالأحرى الكلمات ومدى تأثيرها على حياة البشر، أذكر إنني ممتنة لأحد الكتّاب وأرجع إليه الفضل كله بسبب إحدى مقالاته التي جعلتني أحكم علي مدي جدوى علاقة عاطفية لي.
طور نفسك
إذا أردت أن تكون مؤثرًا لابد أن تكون مثالاً جيداً يحتذي به، لذا احرص دائمًا على تطوير مهاراتك، تعلم لغات جديدة، انضم لدورات تدريبية في موضوعات مختلفة، ابحث عن كل ما يجعلك أفضل، بتلك الخطوات التي تأخذها في سبيل تحسين مهاراتك ستكون قدوة للآخرين وستؤثر فيهم وتذكر أن الشيء الوحيد الذي يمنعنا من التعلم هو الموت.
قدم للأخرين ما يحتاجونه
لن تستطيع أن تكسب قلوب الناس إلا إذا كنت تعرف ماذا يريدون، فجارتك المسنة الوحيدة تحتاج إلى من يطرق بابها ويلقي التحية ويشاركها أي محادثات ولو قصيرة، ربما عن أسعار الخضروات في السوق، أو الحالة الصحية المتردية لقطتها، لا تستهون بهذه الأشياء فهي بالنسبة لها الحياة وما فيها، وأنت بمشاركتها فقد أعدت لها الروح.
فالطفل العنيف لا يحتاج من معلمه أن يقسو عليه، بقدر ما يحتاج إلى جرعات مكثفة من الحنية والدعم النفسي والتي تجعله يشعر بقيمته وأهميته، لذا فغالباً الناس لا ينسون من يقدم لهم ما يحتاجون من مشاعر تجعل حياتهم أفضل، وحتى لو كانوا أشخاصًا عابرين في حياتهم، فرب كلمة تحول إنسان من مجرم إلى إنسان صالح. فالعبرة ليست بالوقت بل بحجم الفعل.
لابد أن لديكم الكثير من القصص والمواقف الرائعة عن تجاربكم مع الآخرين وكيف تحولت علاقاتكم بهم، شاركونا لكي نتعلم من بعضنا البعض.