ما أجمل أن تقرأ قصة إنسان تحوَّل من الكفر إلى الإيمان!
ما أجمل أن تستمتع بمشاهدة إنسان يخرج من الظلمات إلى النور!
ما أجمل أن تراقب لحظة خالدة يزيح فيها إنسان جبالاً من الشكِّ والضلال والحيرة والريبة كانت جاثمة على صدره وعقله، فإذا به يقف رافع الرأس حرًّا، وكأنما بُعِث بعد موته!
هذه هي اللحظات التي تقرأ فيه قصة رجل أو امرأة اختار بإرادته أن يتحوَّل من عبثيات الديانات المنحرفة أو الوضعية إلى دين الإسلام الحقِّ؛ الذي ارتضاه الله عز وجل للعالمين.. كل العالمين.
من هنا جاءت فكرة هذا الكتاب..
إنه -حقيقة- من أكثر الكتب التي أدخلت على نفسي سعادة كبيرة.. ولن أستطيع أن أصف -مهما حاولت- مقدار هذه السعادة، ولن تشعر أيها القارئ بما أشعر به إلاَّ عندما تقرأ صفحات هذا الكتاب..
إنها قصص عظماء أسلموا..
وأنا أرى أن كلَّ مَنْ أسلم فهو عظيم!
ليس العظماء هنا هم المشاهير والأعلام -وإن كان هناك الكثير منهم قد أسلم- ولكن العظماء حقيقةً هم مَنْ أخذوا هذا القرار الخطير بتغيير العقيدة الفاسدة الباطلة، واعتناق العقيدة السليمة الصحيحة..
إنه قرار جريء من أخطر قرارات الإنسان..
ولعلَّ هذا القرار هو أحد الأسباب الكبرى التي رفعت من قدر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندنا وعند كل المطَّلِعين على قصصهم؛ لأنهم واجهوا بهذا القرار مجتمعات كبيرة من الشرك عاشوا فيها، وتعاملوا معها السنوات الطوال..
إنه قرار صعب فعلاً..
لا يتوقَّف الأمر على مجرَّد تغيير بعض الأوراق الرسمية؛ إنما يتعدَّى الأمر إلى تغييرات مجتمعية هائلة..
قد ينفصل الرجل أو المرأة عن الزوج شريك الحياة، وقد تكون هناك قصص حبٍّ ومعايشة تنفصم وتنتهي، وقد يفقد الإنسان ثروات هائلة أو ميراثًا كبيرًا، وقد تحدث حرب إعلامية، وقد تحدث مقارنة سياسية، أو فضائح مفتعلة، أو كل ذلك مجتمعًا أو بعضه..
إنه زلزال لا يُدرك أحد على وجه التحديد حجم قوَّته، ولا توابعه..
ومن ثَمَّ فالذي يقدر على مواجهة كل هذه التحديات هو إنسان عظيم حقًّا..
ومن هنا جاءت تسمية هذا الكتاب..
ولقد أطلعتني هذه القصص الجميلة على عدَّة حقائق أحببت أن أُشارك قُرَّائي فيها..
أما الحقيقة الأولى فهي أن هذا الدين متين، وأن حُجَّة الله بالغة، وأنه ينبغي أن تدخل في نفوسنا ثقة عظيمة بعلوِّ هذه العقيدة، وبلوغها ما بلغ الليل والنهار.. ذلك أننا نرى رجالاً ونساءً يعيشون في ظروف معيشية رائعة، وفي ظلِّ دول قوية غالبة، ومع ذلك فهم يتوجَّهون إلى هذا الدين العظيم: الإسلام؛ وذلك على الرغم من الحالة الضعيفة التي تمرُّ بها أمتنا في هذه الفترة من فترات التاريخ.. لقد أثبتت الإحصائيات أن الإسلام هو أسرع الديانات نموًّا في العالم الآن(1)، ومعظم الذين يعتنقون الإسلام من شعوب ذات مستوى رفاهية وقوة أعلى من معظم -إن لم يكن كل- الدول الإسلامية؛ وهذا لأنَّ الدين الإسلامي دين الفطرة، ولا يبحث إنسان بجدية عن الدين الحقِّ إلا وأقتنع أن ضالَّته في دين الإسلام، فيُقبل عليه بقوة، ويترك كل تاريخه ومعتقداته وأصوله راضيًا مختارًا..
والحقيقة الثانية: أن الذي أسلم عن طواعية، وبحث عن الدين بصدق لا يكتفي أبدًا بقبول الإسلام والتحوُّل إلى مسلم خامل غير متحرِّك، إنما نجد أن معظمهم -أو كلهم- يتحرَّكون بمنتهى الجدية والنشاط، ويبدءون في نشر الإسلام في محيطهم، ويتكلَّمُون مع أقوامهم بألسنتهم ولغاتهم؛ فيكونون بذلك خير دعاة إلى دين الإسلام، وهذا يتطلَّب منا أمورًا مهمَّة؛ منها: أننا يجب أن نتعرَّف من جديد على ديننا، ولا نكتفي بالمعرفة التقليدية التي ورثناها عن آبائنا وأمهاتنا، فنبقى كسالى مع أننا نحمل الدين القيم.. إننا يجب أن نعيش الروح المتحمِّسة التي نراها في المسلمين الجدد، ونُقبِل على نشر هذا الدين كما يُقبلون وأشدَّ..
ومنها أيضًا: أننا يجب أن ندعم هؤلاء؛ حتى لا تفتر حماستهم، والأهمّ من ذلك حتى لا يُفتنوا عن دينهم؛ فيتركوه عندما يَرَوْنَ المسلمين لا يُحسنون التعامل مع دينهم، ومنها: أننا يجب أن نستفيد من قدرات هؤلاء العظماء باستضافتهم في مؤتمراتنا ومساجدنا وجمعياتنا ومواقعنا الإلكترونية.. وغير ذلك من وسائل التواصل مع الناس، فهذا -إضافةً إلى تفعيلهم- سيؤدي إلى استفادة كبيرة عند المستمعين، وحماية هائلة للعمل.
أما الحقيقة الثالثة والأخيرة التي استفدناها من قراءة هذه القصص المتميزة؛ فهي أن وسائل فتح قلوب العالمين قد تكون بسيطة للغاية، وأننا نهمل كثيرًا في استعمال بعض الطرق التي يمكن أن تُغَيِّر من مسار حياة إنسان، فتنقله من الكفر إلى الإيمان؛ بل وتنقذه من النار إلى الجنة.. فتجد أن البعض قد أسلم نتيجة حوارات على الإنترنت مع مسلمين على بُعد مسافات كبيرة منهم، وتجد آخرين أسلموا نتيجة قراءة كتاب أُهدي لهم، وتجد غيرهم قد أسلم نتيجة رؤية سلوك إسلامي جيد في أحد المواقف.. وهكذا.
إن هذه البساطة في إسلام الكثيرين من هؤلاء العظماء تُلْقِي بمسئولية كبيرة على أكتاف كل القرَّاء، وكلِّ مَنْ وصلته هذه القصص.. إنك يمكن أن تكون سببًا في إسلام رجل أو امرأة، وتكون أهلاً لتحصيل الأجر الهائل المترتِّب على ذلك، ولتنظر إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ"علي بن أبي طالب" رضي الله عنه في غزوة خيبر: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ... فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ(2)»(3).
ولتتخيل -في هدوء- مدى الأجر الذي يمكن أن يتجمَّع لك على مرِّ العصور نتيجة عمل هذا المسلم الجديدة، هو وأولاده وأحفاده، والدوائر التي حوله، والشعوب التي آمنت بإيمانه واهتدت بدعوته.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»(4). وقال أيضًا: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»(5) . وقال: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»(6).
وهذا ما دعا الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- أن يتركوا بلادهم المقدسة مكة والمدينة، ويتحرَّكوا في المشارق والمغارب بحثًا عن أولئك الذين لم تصلهم رسالة الإسلام، فيُقَدِّمونها لهم غضَّة طرية، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] ، وهذا ما رفع الله عز وجل به قدر هذه الأمة، وأعلاها على غيرها؛ حيث قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110].
فلو فقدت الأمة أهم أركان رسالتها؛ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإيصال الدين إلى العالمين فَقَدَتْ أهم أسباب خيريتها، وعندها سيأتي الله عز وجل بقوم آخرين يحبهم ويحبونه، يقومون بما تكاسل عنه أقوام من المسلمين لا يفهمون طبيعة دينهم.
إن مسئولية الأمة الإسلامية كبيرة، وإن العالم ليعيش في انهيار كبير للعقيدة والأخلاق، وإن 77٪ من سكان الأرض يُشركون بالله عز وجل ما لم ينزِّل به سلطانًا(7)، وهؤلاء جميعًا في حاجة إلى كلمة طيبة، ومعلومة صحيحة، وسوف تتغيَّر بذلك حياتهم كلها، بل وحياة شعوبهم ودولهم.
ولتنظر -أيها القارئ- إلى دولتين متجاورتين يملأ إحداهما الإيمان، ويملأ الأخرى الكفر لتعرف ما أقصده.. لتنظر إلى إندونيسيا -مثلاً- وإلى جارتها كمبوديا أو فيتنام أو كوريا.. فهذه -أي إندونيسيا- بلاد وصلها مسلمون تَكَلَّمُوا مع أهلها في أمر الدين، فصار شعبها مسلمًا يسجد لله ويُؤمن بالآخرة، ويقوم الليل ويقرأ القرآن، ويحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وينظر إلى الحياة نظرة سليمة، يُدرك فيها من أين جاء، وإلى أين يسير..
وعلى الجانب الآخر فهذه دول أخرى لم يصل إليها المسلمون إلا قليلاً، فصاروا يعبدون بوذا أو غيره من دون الله، ولا يؤمنون ببعث ولا نشور، ولا يعرفون قرآنًا ولا سُنَّة، ويجهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه الخاتم، بل صاروا حربًا على المسلمين، وشوكة في حلق المستضعفين، فنسمع عن مذابح ومهالك، ومجازر واضطهادات، فَضَلُّوا وأضلُّوا، وفسدوا وأفسدوا، وما ذلك إلا بتقصير المسلمين عن أداء دورهم.
فاللهَ اللهَ أيها المسلمون في دينكم ودوركم ومهمتكم! وليتحرَّك كلٌّ منَّا في دوائره، وما أكثرها! وليحرص كلٌّ منَّا على أن يصل بهذا الدين إلى كلِّ مَنْ يعرف، ولو اطَّلع الله على الإخلاص في قلوبنا، لفتح لنا قلوب العباد كما فتحها للصحابة والتابعين، ولتغيَّر وجه الأرض وخريطة العالم، وليس ذلك على الله بعزيز.
والله الموفق وهو يهدي السبيل.
المصدر: مقدمة كتاب (عظماء أسلموا) .
(1) ذكر تقرير لمجلة (فورين بوليسي) أن الإسلام هو أسرع الديانات نموًّا في أوربا.
(2) حُمْر النَّعَم: هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وقيل: المراد خير لك من أن تكون لك فتتصدق بها. وقيل: تقتنيها وتملكها. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 7/ 478، والنووي: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 15/ 178.
(3) البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل، (2847)، عن سهل بن سعد، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، (2406).
(4) مسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، (1017) واللفظ له، عن جرير بن عبد الله، والترمذي (2675)، وابن ماجه (207)، وأحمد (19156).
(5) مسلم: كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، (2674)، عن أبي هريرة، والترمذي (2674)، وأبو داود (4609)، وابن ماجه (206)، وأحمد (9160).
(6) مسلم: كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله، (1893)، عن أبي مسعود الأنصاري، والترمذي (2671)، وأبو داود (5129)، وأحمد (17084).
(7) بلغ تعداد المسلمين في سنة 2010م حوالي 1,57 مليار مسلم، ويُشَكِّلون نحو 23٪ من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم 6,8 مليار نسمة، دراسة بعنوان: "خريطة المسلمين في العالم" من إعداد "مركز بيو لأبحاث الدين والحياة".
د. راغب السرجاني