- ضغط الدم ينخفظ ---يجب ايقاف النزيف--
- تم ايصال الشرايين المقطوعة ---
- مؤشر الضغط ما يزال في تنازل ---
سارعوا في طلب الدم البديل قبل ان نفقد المريضة---
- تم احضاره حضرة الطبيب --
صرخ الطبيب :- شغلوا جهاز الصاعقة لقد توقف القلب-- واحد --اثنان-- ثلاثة---
وعند اول تيار صاعقة ضرب قلبها فتحت عينيها ثم اغمضتها بسرعة فقد صدمها ضوء المصباح المعلق فوق رأسها ---نهضت من على السرير ---امسكت حافته المعدنية لسحب جسدها والنزول الى الارض فآلمها معصميها --- نظرت اليهما لا يوجد شيء لكنها تشعر بوخز مؤلم فيهما --- سمعت صراخ اطفال آتي من مكان قريب --- لا تذكر ما الذي جاء بها الى هذا المشفى ---خرجت من صالة العمليات التي لم يكن فيها احد سواها ---رأسها ثقيل كأن الرياح تطوف بداخله وتصفر في اذنيها ---كانت في ممر طويل فيه الكثير من الابواب والنوافذ لغرف عديدة ---احتارت بأي أتجاه تسير فيجب ان تجد اغراضها وهاتفها الجوّال لتتصل بزوجها ليأتي لاصطحابها ---
- هل من احد هنااااا---هل يوجد احد يسمعني؟؟
جاءها صراخ الاطفال ثانية --- التفتت باحثة عن مصدره --- ثمة امرأة تقف في آخر الممر عند المنعطف تلتف بالسواد من رأسها حتى قدميها وتدير لها ظهرها ---توجهت نحوها --
- عفواً هل تعملين َهنا؟؟--- أبحث عن هاتف لأتصل بزوجي ؟؟
كان صوت الاطفال يأتي من بين يدي المرأة لكنها لا تستطيع ان تراهم --- فالمرأة لا تلتفت نحوها ---ربتت على كتفها بهدوء :-
- عفواً هل رأيتِ زوجي؟؟؟
التفتت اليها المرأة اخيراً --- وقد حيّرها مظهرها فهي لا تنتمي لعمر معيّن -- كانت عينيها زرقاوين والشر يفوح من ابتسامتها الشيطانية :-
- نعم رأيتُ زوجكِ.
- اين ارجوكِ دلّيني عليه.
- لطالما كنتُ أراقبه وهو يعاشِركِ لستة عشر عاماً.
أحسّت برجفة في كامل جسدها وهي تسمع تلك الكلمات وبحركة عفوية رجَعَت الى الخلف فانتبهت الى ان المرأة تحمل سلّة بين يديها تحوي علب زجاجية مختلفة الاحجام مملوءة بسائل شفاف تستقر في قعرها اشياء غريبة ---- كان صراخ الأطفال يصدر منها ---
لم تتعرّف على تلك الاشياء الا عندما قلّصت جفنيها كي تميّز شيئاً رأته في احدى العلب :-
- هذا جنين!!! -- نعم هذا رأس وجسد وأطراف لم تكتمل !!!.
ابتسمت المرأة وهي تهز السلّة تهدهد الأجنة لإسكاتهم قائلة لها:-
- هل تعرّفتِ عليه؟؟ هذا أول أطفالكِ الذي سرقتهُ منكِ قبل ستة عشر عاماً حينها كنتِ في السنة الأولى من زواجكِ.
- ما الذي تقولينه ؟؟ مَن أنتِ يا هذه؟؟
أشارت بخبث الى زجاجة أخرى :- وهذا سرقتهُ في نفس السنة بعد ثلاثة أشهر بعد أخيه---اما هؤلاء فقد أختطفتهم تباعاً .
كانت تقصد ثلاث زجاجات مرصوفة مع بعضها :- آآآآه يالفرحتي بهؤلاء الأربعة ---يالجمالهم ---.
وبصوت يملأوه الزهو وهدوء مرعب كأنه صوت رعد بعيد ارتطم صداه بجدران الممر حولها كأرواح شريرة هائجة وهي تنظر الى اكبر الزجاجات تحوي الكثير من اللحم المكدّس :-
- اما هؤلاء فقد كانوا غنيمتي الكُبرى ---أجنّتكِ الثمانية الذين زرَعتِهم بعملية تلقيح صناعي وكلّفت زوجكِ الكثير ---.
لم تتمالك أعصابها وهي تشير بسبابتها المرتجفة نحو المرأة :-
- أنتِ ---أنتِ صاحبة العهد ---انتِ سارقة الأطفال؟؟--- انتِ من حطم حياتي .
ضاق صدرها وهي تستنشق رائحة بخور غريبة فاح دخانها في الممر --- انهارت قواها وارتخت ركبتيها فسقطت ساجدة على الأرض ---
- لقد تحصّنتُ منكِ لسنوات -- حملتُ مئات الأدعية في حجابات ---جرّبتُ كل شيء للخلاص منكِ ---اغتسلتُ بتراب المقابر وتحزّمتُ بثياب الحجّاج ---أبدلتُ غرفة نومي وأثاثها --- لكنكِ لم تتركيني بحالي-----
أصبح الدخان كثيفاً وحال بينها وبين المرأة --- أمسكت طرف ثوبها كي لا تفقدها ----كان ضوء الشمس الآتي من نافذة مطلة على السماء يجعل للمرأة ظلاً بين الدخان ----
قالت وكأنها تهمس لكن همسها له صدى يخرق الآذان :-
- هذا لأنكِ غبية أخمدتِ اللهب وتركتِ الجمر متوقّد تحت الرماد--- كان يكفيكِ اغلاق باب الشيطان ---
ارتخت أصابعها وأفلتت ثوب الشريرة الأسود وهي تغيب بين خيوط الدخان ---قاطعة خيوط الشمس بسواد ظلّها ---وضحكاتها تختلط مع بكاء الأجنّة ----
أصبحت تسعل من الدخان :- انتظري --أين تذهبين --- اعيدي لي اطفالي ارجوكِ --- قل اعوذ برب الناس ملك الناس اله الناس من شر الوسواس الخنّاس ---قل أعوذ برب الناس -- ملك الناس ---اله الناس ---
ازداد سعالها حتى ألصقت خدها على الارض ---هناك مسافة بين الارض وسحابة الدخان ---استنشقت منها هواء نظيفاً بينما رصدت عينها الملاصقة لبلاط الممر باب مفتوح لإحدى الغرف الكثيرة --- لا تستطيع ان ترى وجه تلك البدينة المفترشة الارض بوركها العريض ---لكن تستطيع ان ترى ما تصنعه بيديها التي تحتضن بهما موقد معدني يُستخدم للشواء ----ملأته بالجمر وتنثر فوقه حفنة أعشاب بين وهلة وأخرى ---
- ايتها الملعونة -- كيف تفعل هذا في المستشفى -- سوف تلوّث الجو .
زحفت على الارض حتى وصلت اليها --- نهضت وهي تنش الدخان بكلتا يديها محاولة رؤية وجه تلك المرأة --- بان لها بعض ملامحها -- دخل الشك في قلبها وهي تقرأ احدى القصاصات المحشاة بالبخور قبل ان تُحرق --- فهذا اسمها واسم زوجها مدوّن على القصاصة !!!.
قالت لها بتعجب يشوبه الحزن بعد ان تعرّفت عليها وهي احدى قريبات زوجها التي طالما شعرت ببغضها لها من اول ايام زواجها :-
- لماذا تفعلين هذا بي؟؟ لم يكن ذنبي أنه ترك بناتكِ وتزوجني ؟؟
لم تجبها المرأة --- كانت منهمكة بحرق المزيد من البخور والكثير من القصاصات التي لا تنفذ ومشغولة بالنظر الى النافذة تراقب قرص الشمس الذي دخل في زوال العصر ---قائلة لها:-
- لم يبقَ الكثير --- لم يبقَ الكثير---.
غاضها تجاهل تلك البدينة لها ففتحت النافذة بعصبية ليطير الدخان الى الفضاء وهي تصرخ بوجهها :-
- سوف أخبر زوجي عنكِ ايتها الملعونة .
خرجت الى الممر وهي تدق الأرض بخطوات ثائرة كثورة البخور الهائج فوق لهب الجمر ---
- سوف يأتي --- سوف يأتي واجعله يرى أفعالكِ ويطردكِ من حياتنا الى الأبد .
جاءها صوت البدينة قبيحاً كرائحة بخورها :-
- لم يبقَ الكثير ---نحن في آخر النهار --- قريباً سيحل الظلام .
ركبها الغضب وهي تردد -- قل اعوذ برب الناس -- ملك الناس اله الناس--- بدأت سحب الدخان تتلاشى قليلاً --- من شر الوسواس الخناس --- لم تكمل تراتيلها بعد--- واذا بها ترمي نفسها على الأرض لتتقي مطر الرصاص المتطاير من احدى الأبواب المفتوحة أمامها--- ضمت اذنيها بكلتا يديها فصوت الرصاص لا يُحتمل بين الجدران فهناك معركة خلف الباب المفتوح --- هدأت قليلاً بعد صراخ الشاب الذي ظهرت أقدامه المدماة من عتبة الباب وهو يصيح بتوجع :-
- يكفي أيها الأوغاد --- يكفي يا وحوش العقائد -- يا مجرمين الأحزاب ---كفاكم قتلاً بنا---
سحبته من قدميه بسرعة فوخزها معصميها ثانية لكنها لم تأبه لآلامها -- أسندته على الجدار وفتحت عينيها بذهول بعد أن مسحت الدم من وجه الشاب :-
- صباح!!! ما الذي تفعله هنا ؟؟ -- بحثنا عنك في كل مكان -- لم يبقَ مستشفى ولا سجن الا وقلبناه رأساً على عقب بحثاً عنك -- أرسلنا من يبحث عنك في بوكا وسجون ما تحت الأرض -- لقد ذوت أمك المسكينة من البكاء على فراقك --.
خرجت الكلمات من فمه بصعوبة وهو يلهث :-
- ما الذي تفعلينه انتِ هنا يا زوجة اخي --- هنا أبواب الشيطان تُفتح كل ساعة .
- لا تُجهد نفسك -- أنتظر مكانك سوف أتصل بأخيك فيأتي لإصطحابنا .
دفعها من ذراعها :- أذهبي ولا تعودي ---أذهبي قبل أن يحل الظلام ---
عاد رشق الرصاص ثانيةً فصاح بها وهو ينظر نحو النافذة في آخر الممر حيث قرص الشمس بدأ ينزل :-
- أذهبي قبل أن تُغلَق الأبواب ويحل الظلام --
هاجت بجنون كهيجان الرصاص الذي حفر الجدران وهي تبحث عن هاتف للأتصال بزوجها وصيحات صباح تعلو فوق أصوات الرصاص --
حاولت فتح ابواب الغرف الموصدة --- تركلها بعد اليأس منها أو تضربها بقبضة يديها وهي تبكي --- توسطت الممر الطويل جداً وهي تصرخ وتدور حول نفسها :-
- هل أحد يسمعني --- ساعدوني أرجوكم -- أريد الخروج من هنااااا .
أسندت ظهرها على الحائط الذي ساعدها بالنزول الى الأرض -- أنفجرت بالبكاء وهي تلف ذراعيها حول ركبتيها التي الصقتها على صدرها -- وضعت جبينها على ركبتيها تهمس بحجرها :-
- أين أنت -- لماذا لا تأتي --
سمعت صوته من خلفها يأتيها من النافذة التي فوق رأسها --كان يكلم أحد ما ويضحك -- قرقعت ماكنة خياطة كهربائية --يغيب صوته قليلاً -- أمسكت بحافة النافذة وبحذر ولم تُظهر الا عينيها وهي تنظر الى زوجها الذي يداعب شابة ما كانت مشغولة بخياطة ملابس مكوّمة أمامها بماكنة خياطة عتيقة الطراز ---
لم تصدّق ما كانت تراه -- وقفت على قدميها واضعة كفيها على زجاج النافذة -- ملأها الغيظ وهي تشاهد زوجها الذي بدا أصغر من عمره --يقبّل تلك الشابة من عنقها وهي تضحك :-
- لا يهم ان أنجبنا أطفال أم لا -- يكفينا أننا سعداء --
صٌدِمَت عندما رأت وجه تلك الشابة الخياطة -- فقد كانت هي في سنوات زواجها الأولى عندما كان زوجها يعمل في أحدى المحلات التجارية بعد أن علّق شهادته الجامعية على الحائط للذكرى حيث لا توجد وظيفة حكومية في ظل الحصار --
لذا كانت تخيط الملابس للزبائن لمساعدة زوجها وأهله لتسهيل أزمة المعيشة الصعبة.
أحسّت أن هذا المشفى ليس مكاناَ عادياَ -- مشت عدة خطوات بعد أن أصابها الدوار واذا بها عند نافذة أخرى -- نظرت من خلالها فرأت نفسها ثانية لكنها نائمة على احدى أسرّة مستشفى وزوجها جالس بجانبها يحتضن رأسها وينظر اليها بفرح -- يبدو أنها تصحو توّاً من مخدر عمليات -- وتقف عند رأسها طبيبة لزرع الأجنّة بعملية تلقيح صناعي فتلك النافذة في الجهة المقابلة يتكوّم على حافتها الثلج في احدى شتاءات عمرها المنصرم --- عندما تغيّر حالهم المعاشي بعد تغيّر حال البلد في مهرجانات الحكومات المتتالية ---
أشفقت على حالها وهي تشاهد نفسها سعيدة بعد أن أخبرتها الطبيبة بنجاح العملية ولم تكن تعلم بوجود ذات العيون الزرقاء في احدى زوايا الغرفة ---ابتسمت صاحبة العهد وهي تسير بتبختر نحو السرير -- ثم تلتفت اليها عبر النافذة لتٌريها ما ستفعله بها --- لم تقوَ على مشاهدة تلك الشريرة وهي تسلب منها أطفالها وتنزعهم من رحمها --- فغادرت النافذة بخطى ثقيلة داخل ممر ممكن أن يٌعد من عجائب الدنيا---
ضربت رأسها براحة كفيها :- أستيقظي -- أستيقظي -- هذا كابوووس.
وضعت يدها على النافذة الثالثة بعد أن كانت تسحبها فوق الجدار -- واذا بها ترى صاحبة العهد مرة أخرى بغرفة أخرى لكن هذه المرة بغير مشفى -- وبنفس السيناريو وبأبتسامة شريرة تسلب منها ثمانية أجنّة لتكمل بها مجموعة علبها الزجاجية داخل السلّة --
لم تجد ما تفعله سوى أن تهرول مبتعدة عن تلك النوافذ التي تحكي فترات عمرها لسنوات مضت--
أستوقفها صراخ وعويل نساء أختلط بنحيب رجال --- أثار الضجيج فيها الفضول لتنظر من نافذة جديدة لغرفة جديدة -- كانت مليئة بالناس من مختلف الأشكال يرتدون السواد كأنهم في مجلس عزاء دؤوبين على البكاء ولطم الوجوه -- لم تفهم ما الذي يحدث الا بعد أن رأت زوجها وأهله يتوسطون أولئك الناس في نحيب وبكاء مرّ--- كانت أمه تولول وتلطم صدرها وهي ترثي ولدها المخطوف ( صباح).
دقّت على زجاج النافذة فلم يلتفت اليها احد -- أصبحت تضرب الزجاج بقبضات يديها بشدّة فهي تريد أخبارهم بأن (صباح) موجود هنا في هذا المكان الغريب --- لم يلتفت اليها أحد سوى قريبة زوجها البدينة عندما كانت تُريها كيف تٌخرِج من فتحة جيدها بحذر شديد لفافة ورق تحوي أعشاب غريبة تنثرها حول زوجها -- غير آبهه بمصابهم--
غرقت الشمس في شفق أحمر -- حوّل المكان الى كهف مرجاني تهيم فيه كل المشاعر المبطنة برغبات الحياة -- تقدح بلونه عيون الشيطان وان تلونت بألوان السماء -- كانت تنتشي من لونه اللذة في حوارات الفراش الذي لم يثمر الاّ مهود خالية --
رغبت العصافير بالتحليق بأجنحة مدماة فتسقط في الوحل حتى ينوح الحمام فوقها--- وكلهيب الجمر المتخفي خلف غيوم رمادية ترفع أنفها مكابرةً كي لا ينزف كبتاً وهي تمر من نافذة انعطفت بها حياتها الى لون فاتر -- كمنعطف الممر الذي وقفت عنده وفتر ضوء الشفق فيه --
خمدت فورة الشباب تحت ذلّ الشيب -- كذبول توهّج حمرة الشفق على الجدار وهو يصارع الظلمة ---
أعتصر قلبها حزناً وهي تسمع زوجها الثائر بوجهها في نزاعات لا تهدأ مطالباً اياها بأنجاب طفل -- او الرحيل عن حياته --- لم تكن البدينة هذه المرة ولا صاحبة العهد -- بل الشيطان بشخصه من لبس جسد زوجها -- رأته في جحوظ عينيه -- في شكله الذي بدأ يتغير مع تغيّر مشاعره -- في مراهقة الخمسين وهو يحاول أن يوحي للفتيات أنه ما زال شاباً -- في ركلات قدميه التي تصحو عليها --- في همسه وضحكاته عبر هاتفه الجوّال طوال الليل -- في أقل من القليل الذي يرميه اليها بأحتقار بعد الحرمان --- في جيبه الذي يملأوه شوقاً وهو ذاهب لتلك التي بدأ معاشرتها بعقد سرّي ليعود مُفعماً بالسعادة ومُتخماً بالأماني بعد أن قطع وعداً لعشيقته بالخلاص منها---
لم تعد ترى خطواتها في ظلام الممر --- أحسّت بالبرد بعد غياب الشمس وألم معصميها وهي ترى زوجها من آخر نافذة لآخر غرفة --- يتقدم نحو فراشها المنفصل بعيداً عن فراشه --بخطى حافية وحذرة مُمسكاً شفرة حلاقة ليقطع الطريق على شعاع روحها الهائم في لُجّة الظلام --- كقاطع طريق أرعن لا يعرف قيمة ما يسلبه --
قالت وهي واقفة في مكانها وسط الظلمة خلف الزجاج ووجهها كالبدر يضيء العتمة :-
- مَن علّمكَ القسوة ؟؟--- كنّا روحين في جسد واحد.
التفت اليها عبر الزجاج وما زال يسير نحو فراشها قائلاً :-
- كنتِ الشمعة في حياتي وانا احتويكِ كالشمعدان --- ذبتِ وذابت معكِ احلام الخلود --- ولا بد للظلام من نور --- انتظرتُ كل تلك السنين حتى ظننتُ اني يعقوب --- والآن ادركتُ ان ما من يوسف آتي ---
وضع الشفرة على معصمها ففتحت عينيها مستسلمة له --- قالت له قبل ان يحزّ وريدها :-
- وهبتُكَ حياتي -- حتى ان تفاصيل عمري كانت تتنفس بكَ --- لطالما احببتُ ان اموت وآخر ما أراه هو أنت --- لن تُدرك ما فاتكَ --
غرس الشفرة في شرايينها في لحظة شيطانية غرائزية بحته -- جعلت شلالات الجسد تنهمر فتُطفيء آخر شمعات العمر ---
كان صوته أنكر الأصوات بعد الحمير وهو يصرخ:-
- انتحرَت ----انتحرَت ----
تقدّمَ نحو النافذة وهو سابح بدمها والشفرة بيده :-
- لماذا لم تقاومي ---لماذا لم تهربي -- ليتكِ رحَلتِ غير هذا الرحيل .
- لأن طعم الحزن مرّ مثل طعم الموت -- فاخترتُ مرّ الموت دون مرّ الحزن لبقية عمري--- ولأني أيقنتُ أن لا فرق بين الخيانة والغدر ---- وأن ما من مطر يُخمد سحابة الدخان --- ولأني أعلم ان العاشق يموت عندما تموت المشاعر بينه وبين من يحب ---- فما نفع الحياة والحاضر غائب ---
أطبقت كفّيها على أذنيها وهي تسير برويّة نحو صالة العمليات ---كانت ملأى بالأطباء والممرضات هذه المرة ---لكنها لم ترغب بالحديث مع أحد --- فتمددت على السرير تحت المصباح الكبير وأغمضت عينيها بينما الأطباء مشغولين بلصق عشرات الأسلاك على جسدها الشاحب -- ودكّ قفصها الصدري بحركة واحدة متتالية---
- واحد -- أثنان -- ثلاثة --
- حضرة الطبيب -- لا يوجد نبض --
- واحد -- أثنان -- ثلاثة --
صرخ الطبيب :- هذا لا يجدي نفعاً -- شغلوا جهاز الصاعقة --
- تم ضبط الجهاز على أقصى درجة -- جاهز؟؟
وعند أول تيار صاعقة ضرب قلبها --- فتحت عينيها على ضحكات أطفال تحلّقوا حولها -- أعمارهم متفاوتة لكن هيئتهم متشابهه كأنهم عصافير من بلّور برّاق ---ينادون عليها جميعهم:-
- أمي -- أمي -- أستيقضي يا أمي ----.