حين يُخفقُ طفلٌ بإيجادِ ملجأ يؤويه مِنْ صعوبَاتِ ظروف المُنَّاخ وَشرور العابثين، ويؤمن له ما يفضي إلى حفظِ كرامته، وَالتمتع بحياتِه أسوة بأطفالِ دول الجوار عَلَى أقلِ تقدير، فإنَّ جملةَ المخاوف المترتبة عَلَى هَذَا الواقعِ المليء بالحزنِ وَالألم، مِنْ شأنِها التشجيعِ عَلَى الدَفعِ باتجاه البحثِ عَنْ حلولٍ تتجاوز بفاعليتها وَحزمة آلياتها التدخل الحُكُوميّ المفترض فِي مثلِ هَذه الأحوالِ بقصدِ معالجةِ هَذَا الملفِ الساخن؛ لأَهمِّيَّة الجهد الْمُجْتَمَعيّ فِي المساهمةِ بإزالةِ المخاطرِ المحتملة مِنْ جراءِ تفشي هَذه الظاهرةِ الَّتِي يشار إليها عادة باسْمِ ظاهرةِ أطفال الشوارع، فضلاً عَنْ الحدِ مِنْ التناميّ المتسارع لمسبباتِها.
لا مغالاةً فِي القولِ إنَّ طِّفْلَ الشارع فِي بلادِنا، لا يَزال عرضة كبيرة للانحرافِ أو الاستغلال مِنْ المَارِقين وَضعاف النفوس لمختلفِ الأمور مثل توظيف بعض الفتيات القاصرات فِي مهنةِ التسول نتيجة الحاجة إلى المأكل، المشرب، الملبس، المأوى وَالمعيل أو توريط الفتيان بفضاءِ السرقاتِ البسيطة تمهيداً لإعدادِهم إلى عملياتٍ أكبر حجماً، فضلاً عَنْ تعرضِهم لمختلفِ أنواع العنف والحوادث. وَقد تنحى هَذه الظاهرةِ الخطيرة فِي أحايِينِ بأصحابِها صوب الاتجاه إلى مسارِ الجريمة المنظمة وَالعمليات الإِرْهَابية، بالإضافةِ إلى أنَّ المُسْتقبَلَ لا يضمن عدم تحقق الاحتمالات الَّتِي جرت الإشارة إليها آنفاً، عَلَى الرغمِ مِنْ إلزامِ الْمُجْتَمَع بمسؤوليةِ حماية الطِّفْل مِنْ التهديداتِ المنوه عَنها فيما تقدم وَشموله بالتَّعْلِيمِ وَالرعَاية الصِحِّيَّة، إذا أنَّ هَذَا الصنفِ مِنْ الأطفالِ يُعَدّ بحسبِ المُتَخَصِّصين أقرب إلى القُنْبُلةِ الموقوتة فِي مختلفِ فضاءاتِ الْمُجْتَمَع، وَالَّتِي تكمن خطورتها فِي أنها تؤدي مِنْ دُونِ أدنى شكٍ إلى نتائجٍ غير مرجوة؛ لمساهمتِها فِي إعاقةِ تنفيذ البرامج الخاصَّة بتحقيقِ الأمن، وَما يعنيه مِنْ تهديدٍ للاستقرارِ الاجْتِمَاعِيّ الَّذِي تتطلع إليه شرائح الفقراء والمعوزين ببلادِنا.
الْمُلْفِتُ أَنَّ أغلبَ الدِّراسات وَالبحوث المعدة فِي هَذا الشأنِ مِنْ الجهاتِ المعنية أو المُنَظَّمَات غير الحُكُومية تشير إلى أَنَّ القسمَ الأعظم مِنْ أطفالِ الشوارع فقدوا أولياء أمورهم خلال سنوات الحروب أو بفعلِ العمليات الإِرْهَابية الَّتِي تتعرض لها البلادِ منذ أكثر مِنْ عشرِ سنواتٍ عجاف أو مِنْ المشردين الَّذين لا يملكون سكناً. وَهو الأمر الَّذِي يفرض عَلَى الحُكُومةِ العراقيّة السعي الجاد وَالمنظم لقضمِ مساحة الأزماتالمتخمة بها البلاد، وَالَّتِي تعود أسبابها إلى طبيعةِ الظروف الاقْتِصَادِيَة وَالاجْتِماعِيَّة وَالأمنية الَّتِي عاشها العراق خلال ما يزيد عَلَى ثلاثةِ عقودٍ مِنْ الزمان؛ لإمكانيةِ مُسَاهمتها فِي توسيعِ دائرة الصعوبات، ولاسيَّما مُشْكِلة الطُفُولة الَّتِي تعكس معاناة المواطن المبتلى بهمومِ الحياة، إذ تتجسد هَذه الظاهرةِ المأساوية فِي أبشعِ صورها بالمشردين مِنْ الأطفالِ والأحدَاث فِي الأزقةِ أو المنازل المهجورة أو الحدائق العامة أو الطرقات، وَالَّذين لا توجد فِي وزارةِ العَمَل وَالشؤون الاجْتِماعِيَّة إحصائية دقيقة بِعَدَدِهم، ما يعني الحاجة لإعدادِ قاعدةِ بياناتٍ عَنْ المنتمين لهَذه الشريحة؛ لأجلِ السعي إلى إدماجهم بالْمُجْتَمَعِ عبر إخضاعهم لبرامجٍ تتجاوز بآلياتها التركيز عَلَى معالجةِ مُشْكِلةِ العاطلين عَنْ العَمَل، والشروع بالتخطيطِ لإقامةِ ما يفترض مِنْ المؤسساتِ الَّتِي بوسعها استقطابهم بقصدِ حمايتهم وَتأهيلهم، إلى جانبِ تطوير الموجود مِنْ دورِ الرعايةِ وَالأيتام.
لعلَّ مِنْ بَيْنِ القنواتِ العَمَليَّة الَّتِي يمكن الركون إليها فِي مُهِمّةِ إِنْتَاجِ بيْئَةٍ ملائمة للمُسَاهَمَةِ فِي الحدِ مِنْ ظاهرةِ أطفال الشوارع هو مشاركةُ مُنَظَّمَات الْمُجْتَمَع المَدَنيّ فِي تخصيصِ بعض مجهوداتها لأجلِ توظيفها بمعالجةِ هَذه المُشْكِلةِ المؤرقة؛ بالنظرِ لما تشكله مِنْ خطورةٍ كبيرة عَلَى الطُفُولة وَالْمُجْتَمَع
منقول