خطر الأمية لا يقل عن الكوارث الطبيعية والأمراض الفتاكة وغيرها من المخاطر، لاسيما في العراق الذي يتصدر قائمة الفساد المالي والإداري في العالم، ويتناحر ويتصارع سياسيوه الحاليون على المناصب والكراسي، ومازال يعاني من سوء الخدمات البدائية، فلاريب أن الأمية والجهل وجدا في العراق في ظل هذه الأوضاع ملجأ لهما.
وفي الثامن من سبتمبر من كل عام، اليوم الدولي لمحو الأمية، وتحل هذه الذكرى على العراق وظلام الجهل والأمية لايزال يخيم على البلاد، فبعد أكثر من 13 عاما على الاحتلال الأمريكي الغاشم الذي عمد إلى تجهيل وتغييب الشعب العراقي بعد تخريب وتدمير البلاد عن طريق أذنابه فيها.
العراق الذي تعاني أجياله اليوم حالة مريعة من الجهل و التجهيل، كان يمتلك نظام تعليمي يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، قبل حرب الخليج الأولى عام 1991 م ، حيث كانت تقدر نسبة المسجلين في التعليم الإبتدائي بما تقارب الـ 100% ، فقد خصصت الحكومات السابقة 10% من الناتج القومي للتعليم ، وكان متوسط الإنفاق الحكومي على التعليم للطالب الواحد 620 دولارا ، ما ساعد في انخفاض نسبة الأمية بين الفئة العمرية 45-15 إلى أقل من 10 %.
فترة ما بعد الاحتلال شهدت تدهور واقع التعليم في العراق بشكل غير مسبوق ، حيث وصلت نسبة الأمية إلى 20 % ، بعد أن تم تشريد 100 ألف طالب ، لم يكملوا دراستهم بسبب الظروف التي يمر بها البلاد ، بالإضافة إلى وجود 20 ألف معلم ومدرس مشرد بسبب أعمال العنف ، كما انخفض الدخل الإجمالي ، والموارد المخصصة للتعليم ، وحصة التعليم من ميزانية الحكومة ، وكذلك انخفض الإنفاق الحكومي على تعليم الطالب الواحد إلى أقل من 47 دولارا ، ما أدى إلى انخفاض عدد الطلاب الإجمالي في التعليم الابتدائي إلى 90 %.
الواقع التعليمي في العراق وما يمر به ، نتج عنه عدم إكمال نحو 50% من أطفال العراق دراستهم الإبتدائية ، بسبب النزوح والحملات التي تشنها القوات الحكومية وميليشياتها الطائفية على مناطقهم ، وهذا مؤشر خطير يبذر بالتحاق جيش أخر عاجلا أم أجلا الى جيش الأميين المتنامي في العراق.
ما بعد الاحتلال
وضع المدارس في العراق ما بعد الاحتلال كان مرير ايضا ، حيث أن 80 % من المدارس الآن بحاجة إلى إصلاح ، و 70 % منها بحاجة إلى مياه نظيفة ودورات مياه وحمامات صحية ، بالإضافة إلى أن هناك حوالي 100 مدرسة تم بناؤها من الطين والقش او الخيام ، كل ذلك أدى إلى غياب العراق عن مؤشر دافوس لقياس جودة التعليم عربيا وعالميا.
نسبة الأمية الكبيرة في العراق أكدتها منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة ، التي أوردت في إحصائية لها أن عدد الأميين في العراق أكثر من تسعة ملايين شخص ، مؤكدة أن هذا العدد يزداد سنويا ، بينما كان عدد الأميين في عام 2003 وحسب إحصائيات المنظمة نفسها ثلاثة ملايين أمي فقط، عراق ما بعد الاحتلال استوطن فيه الجهل والنفاق ، وطرد منه كل أهل العلم والرأي والفكر السديد ، ليصبح مرتعا لثلة من الجاهلين الذين تحكموا في زمام الأمور في البلاد ، ولأن فاقد الشئ لا يعطيه ، فإن الفشل الذريع لازم هذه الثلة في كل المناحي ، إلى أن أوصلوا العراق إلى حافة الهاوية.
الاحتلال الأمريكي للعراق جاء بحكومات أشبه بعصابات حاقدة ومتخلفة ، لاعلاقة لها بالثقافة والعلم و لا حتى بالأخلاق ، فالأحزاب التي تناوشت السلطة والتهمت مؤسسات الدولة وتقاسمتها كالضباع الجائعة ، عقب الاحتلال ، لا يعرف زعمائها معنى للثقافة الإنسانية أو البشرية ، حيث أن تلك الأحزاب لم تساهم في صياغة وصناعة الجهل والتخلف وحسب ، بل زرعت جذوره ومرتكزاته في الحياة العراقية العامة.
متلازمة الفقر والجهل والفقر
أينما حل الفقر تفشى الجهل ، وفي العراق بلغت نسبة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى نحو 25 % ، حيث يقدر إجمالي هذه الطبقة في العراق بستة ملايين شخص، الأمر الذي أدى بدروه إلى ارتفاع نسبة الأمية والجهل في العراق. الفساد والفشل في حكومات ما بعد الاحتلال وانتهاج تلك الحكومات سياسات طائفية بامتياز مزقت العراق وقطعت أواصر أبناءه، .
القراءة والكتابة جزء أساسي من حقوق الإنسان وحجر الزاوية لبناء أي دولة ، فكيف بحكومة لم تراع أبسط معايير حقوق الإنسان ، وتقتل وتهجر وتعتقل كل من عارض سياساتها الطائفية وممارساتها القمعية ، فمن غير المنتظر أن تقّل نسبة الأمية والجهل في العراق ، بل من المتوقع أن تستفحل هذه الظاهرة ، طالما ظلت هكذا حكومات جاثمة على صدور العراقيين.